للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثا- أهمية معرفة أسباب النزول:

لهذا النوع من البحث التأريخي في الآيات الكريمة أهمية كبيرة في تيسير فهم معناها واستنباط الحكم الشرعي منها «لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قضيتها وبيان سبب نزولها» (١)، فإن بعض من تلا هذه الآية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) [المائدة] ظن أنّ من كان كذلك جاز له أن يأكل ما يشاء، ويشرب ما يشاء، حتى ولو كان ذلك محرما (٢). لكن الوقوف على مناسبة نزول هذه الآية يوضّح حقيقة معناها، ومن يشملهم حكمها، فقد روى البخاريّ ومسلم وغيرهما أنه لما نزل تحريم الخمر قال بعض الصحابة:

كيف لأصحابنا الذين ماتوا وكانوا يشربونها؟ قبل نزول التحريم طبعا، فنزلت هذه الآية لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ... (٩٣) (٣).

وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم الآية التي تنزل بسبب سؤال من شخص معين، أو عقب حادثة تتعلق بشخص معين، يشمل الحالات التي تشبه حالة من نزلت الآية بسببه، وهو ما يعبرون عنه بعبارة (الأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب) (٤). فمن ذلك قول الطبري، بعد أن تحدث عن سبب نزول قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ ... (٧)

[آل عمران]، وهو: «وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرناه أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معنيّ بها كل مبتدع في دين الله بدعة، فمال قلبه إليها، تأويلا منه لبعض متشابه آي القرآن» (٥).


(١) الواحدي: أسباب نزول القرآن ص ٥.
(٢) الزركشي: البرهان ١/ ٢٨، والسيوطي: الاتقان ١/ ٨٣.
(٣) ابن حجر: فتح الباري ٨/ ٢٧٨.
(٤) الزركشي: البرهان ١/ ٣٢، والسيوطي: الاتقان ١/ ٨٥.
(٥) جامع البيان ٣/ ١٨١.

<<  <   >  >>