للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آخر الكتب، المنزل على خاتم الرسل، لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه وبينها، فجمع له الأمرين: إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا» (١)».

ثانيا- حكمة نزول القرآن منجما:

استغرق نزول القرآن الكريم ثلاثا وعشرين سنة، فهو لا يشكل ظاهرة مؤقتة أو خاطفة، ولقد نزلت الآيات منجمة، قد تنزل السورة الكاملة أو الآيات، أو الآية الواحدة، وبين كل وحي وما يليه مدة انقطاع قد تطول وقد تقصر، بحسب التقدير الإلهي، لا برغبة النبي صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يملك من أمر الوحي غير التلقي الواعي، ثم الحفظ والتبليغ. فالله سبحانه هو الذي اختار هذا الطريق لتنزيل القرآن. وقد تمنى الكفار نزول القرآن جملة واحدة، ولكن الله تعالى بيّن أن وراء نزوله مفرقا حكمة يتعلق بها استمرار الدعوة ونجاحها، فقال سبحانه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) [الفرقان].

ويقدم المفسرون لقوله تعالى: ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ (١٢٠) [هود] تفسيرين، هما: (٢) ١ - لنقوّي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب، وأشد عناية بالمرسل إليه.

٢ - لتحفظه، فيكون فؤادك ثابتا به غير مضطرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ، ففرّق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه.


(١) أبو شامة: المرشد الوجيز ص ٢٤، وينظر: السيوطي: الاتقان ١/ ١١٩.
(٢) ينظر: الطبري: جامع البيان ١٩/ ١٠، وأبو شامة: المرشد الوجيز ص ٢٨، والسيوطي:
الاتقان ١/ ١٢١.

<<  <   >  >>