للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو شامة المقدسي: إنه لا منافاة بين الآيات الثلاث، فليلة القدر هي الليلة المباركة، وهي في شهر رمضان (١). ثم قال: «إن أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) وذلك بحراء عند ابتداء نبوته، ويجوز أن يكون قوله أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (١٨٥) [البقرة] إشارة إلى كل ذلك، وهو كونه أنزل جملة إلى السماء الدنيا، وأول نزوله إلى الأرض، وعرضه وإحكامه، في شهر رمضان، فقويت ملابسة شهر رمضان للقرآن إنزالا جملة وتفصيلا وعرضا وإحكاما، فلم يكن شيء من الأزمان تحقق له من الظرفية للقرآن ما تحقق لشهر رمضان، فلمجموع هذه المعاني قيل أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» (٢).

ولا شك في أن نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا هو من أمر الغيب الذي تتوقف معرفته على ورود نص في القرآن أو الحديث يبينه، ولكن قول الصحابي في الأمور التي ليست موضع اجتهاد، إذا ثبت، حكمه حكم الحديث المرفوع، وهو ما ينطبق على تفسير ابن عباس هنا، فقد نص السيوطي على صحة أسانيد الأحاديث التي نقلت ذلك التفسير عن ابن عباس (٣). فمن المرجح أن يكون ابن عباس قد فهم التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم.

على أن مما يجب الالتفات إليه في موضوع نزول القرآن هو أن هذا الاختلاف في تفسير هذه الآيات لا يؤثر في شيء على نص القرآن الكريم، فسواء ثبت ما نقل عن ابن عباس أو ما روي عن عامر الشعبي فنص القرآن واحد في كلا القولين، وهما يؤولان إلى نتيجة واحدة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن مفرقا في ثلاث وعشرين سنة، لكن العلماء قالوا إن في إنزاله جملة إلى السماء الدنيا «تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا


(١) المرشد الوجيز ص ٩.
(٢) المصدر نفسه ص ٢٤.
(٣) الاتقان ١/ ١١٧.

<<  <   >  >>