البعد، وبعد القمر عنها هذا البعد، وحجم الشمس والقمر بالنسبة لحجمها، وبسرعة حركتها هذه، وبميل محورها هذا، وبتكوين سطحها هذا، وبآلاف من الخصائص، هي التي تصلح للحياة وتوائمها، فليس شيء من هذا كله فلتة عارضة ولا مصادفة غير مقصودة، هذه الملاحظات تفيدنا في توسيع مدلول:
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً وتعميقه في تصورنا، فلا بأس من تتبع مثل هذه الملاحظات لتوسيع هذا المدلول وتعميقه، وهكذا.
هذا جائز ومطلوب، ولكن الذي لا يجوز ولا يصح علميا نحو هذا المثال:
يقول القرآن الكريم: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)[المؤمنون]، ثم تظهر نظرية في النشوء والارتقاء لبعض العلماء تفترض أن الحياة بدأت خلية واحدة، وأن هذه الخلية نشأت في الماء، وأنها تطورت حتى انتهت إلى خلق الإنسان، فنحمل نحن هذا النص القرآني ونجري وراء النظرية، لنقول: هذا هو الذي عناه القرآن! هذا غير مناسب، لأن هذه النظرية ليست نهائية، فقد دخل عليها من التعديل في أقل من قرن من الزمان ما يكاد يغيرها نهائيا، وقد ظهر فيها من النقص المبني على معلومات ناقصة عن وحدات الوراثة التي تحتفظ لكل نوع بخصائصه ولا تسمح بانتقال نوع إلى نوع آخر، ما يكاد يبطلها. وهي معرضة للنقد والبطلان، بينما الحقيقة القرآنية نهائية، وليس من الضروري أن يكون هذا معناها، فهي تثبت فقط أصل نشأة الإنسان ولا تذكر تفصيلات هذه النشأة، وهي نهائية في النقطة التي تستهدفها، وهي أصل النشأة الإنسانية.
ثالثا- اتجاهات جديدة في التفسير:
لا يمكن للدارس أن يضع حدا تتوقف عنده جهود العلماء في تفسير القرآن الكريم، وقد استمرت تلك الجهود في العقود الأخيرة من الحقبة التي نعيش فيها الآن، وظهرت بوادر اتجاهات جديدة في التفسير، ويمكن أن نصنف جهود العلماء في التفسير في السنين الأخيرة إلى ثلاثة أصناف.