المعنى الأول: هو الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع، ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم، على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه، والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس، وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق، لأنه مقيد بوسط الإنسان وعقله وأدواته، وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.
المعنى الثاني: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان، بناء يتفق- بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية- مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي، حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره، ويستخدم بعض نواميسه في خلافته، نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق، وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له، ليعمل لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة.
المعنى الثالث: هو التأويل المستمر، مع التمهل والتكلف، لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يجدّ جديد.
ولكن ذلك لا يعني أننا لا يمكن أن ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات وحقائق علمية عن الكون والحياة والإنسان في تفسير القرآن، وقد قال الله سبحانه وتعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (٥٣)[فصلت] ومن مقتضى هذه الإشارة أن نظل نتدبر كل ما يكشفه العلم في الآفاق والأنفس من آيات الله، وأن نوسع بما يكشفه مدى المدلولات القرآنية في تصورنا، من غير أن نعلق النصوص القرآنية النهائية المطلقة بمدلولات ليست نهائية ولا مطلقة.
وهنا ينفع المثال: يقول القرآن مثلا: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢)[الفرقان]، ثم تكشف الملاحظات العلمية أن هناك موافقات دقيقة وتناسقات ملحوظة بدقة في هذا الكون، (الأرض بهيئتها هذه، وببعد الشمس عنها هذا