للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم، ولا يعرفون من ذلك إلا ما يعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية، فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا علاقة له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها، مثل أخبار بدء الخليقة، وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل كعب الاحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم، وفي أمثال هذه الأغراض أخبار موقوفة عليهم، وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرّى فيها الصحة التي يجب بها العمل، وتساهل المفسرون في مثل ذلك، وملئوا الكتب بهذه المنقولات، وأصلها كما قلنا عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك، إلا أنهم بعد صيتهم، وعظمت أقدارهم، لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة، فتلقّيت بالقبول من يومئذ ... » (١).

ويبدو أن تعليل ابن خلدون سبب ضعف تلك الروايات بأنها أخذت عن أهل الكتاب الذين كانوا يسكنون البادية لا ينطبق على جميع ما روي من تلك المنقولات، فقد جاء في الحديث السابق الذي رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، أن أهل الكتاب كانوا يقرءون التوراة بالعبرانية ويترجمونها إلى العربية لأهل الإسلام، وهؤلاء لا يمكن وصفهم بأنهم من أهل البادية الذين لا علم عندهم، ولكن هذا النقل المباشر عن التوراة لا يمنع من وصف تلك الروايات بالضعف، أو عدم القطع بصحتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم)، لأن تلك الروايات قد تكون صحيحة، وقد تكون مكذوبة، بسبب ما تعرضت له كتبهم من التحريف والزيادة.

إن أكثر ما يروى في كتب التفسير من الإسرائيليات يرجع إلى أربعة أشخاص هم (٢):


(١) المقدمة ص ٤٣٩ - ٤٤٠.
(٢) ينظر: محمد حسين الذهبي: التفسير والمفسرون ١/ ١٨٣.

<<  <   >  >>