للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آيات القرآن الكريم بدرجة واحدة من التفصيل والبيان، فقد لاحظ العلماء أن من آيات القرآن ما يتحدث عن أمور هي أوسع من مدركات العقل البشري، فيعجز العقل البشري عن توضيحها بأكثر مما يؤخذ من دلالة الألفاظ المعبرة عنها.

وبناء على تلك الحقيقة قسّم العلماء القرآن على ثلاثة أوجه (١):

أحدها: لا سبيل إلى الوصول إليه، وهو الذي استأثر الله بعلمه، وحجب علمه عن جميع خلقه، وهو أوقات ما كان من آجال الأمور الحادثة التي أخبر الله في كتابه أنها كائنة، مثل وقت قيام الساعة، ووقت نزول عيسى بن مريم، ووقت طلوع الشمس من مغربها، والنفخ في الصور، وما أشبه ذلك.

والوجه الثاني: ما خصّ الله بعلم تأويله نبيّه صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته، وهو ما فيه مما بعباده إلى علم تأويله الحاجة، فلا سبيل إلى علم ذلك إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لهم تأويله.

والثالث منها: ما كان علمه عند أهل اللسان الذي نزل به القرآن، وذلك تأويل عربيته، وإعرابه، لا يوصل إلى علم ذلك إلى من قبلهم.

ويستند هذا التقسيم إلى الرواية المنقولة عن عبد الله بن عباس التي ذكرناها عند الحديث عن جهوده في التفسير، كما أن جمهور العلماء والمفسرين يفسرون الآية السابعة في سورة آل عمران في ضوء ذلك، وهي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (٧) [آل

عمران].

قال الطبري: المحكم من آي القرآن ما عرف العلماء تأويله، وفهموا معناه


(١) الطبري: جامع البيان ١/ ٣٢ و ٤١، وينظر: الزركشي: البرهان ٢/ ١٦٦، والسيوطي:
الإتقان ٤/ ١٩٠ - ١٩١.

<<  <   >  >>