فإذا أجمعوا على الشيء، فلا يرتاب في كونه حجة، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن، أو السنة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك (١).
٥ - فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، وأما من تكلم في القرآن بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه، كما أشرنا في الفقرة السابقة، وثمة ملاحظتان تتعلقان بهذا الموضوع هما:
الملاحظة الأولى: على المفسر المعاصر الذي يتحرى الدقة في تفسيره أن يطيل النظر في تفاسير الأجيال الأولى من علماء الأمة، من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وأن يتخذ من فهمهم للقرآن منطلقا لتوضيح معاني الآيات الكريمة التي يفسرها، ولا يعني هذا أن عليه أن يأخذ بكل ما روي في التفسير المأثور، فقد سبق أن أشرنا إلى ما في بعض المرويات من ضعف، وما شاب بعضها الآخر من الروايات الإسرائيلية، ولكن وراء ذلك علم بالقرآن دقيق، وفهم لآياته أصيل لا يستغني عنه المفسر.
والملاحظة الثانية: على المفسر المعاصر ألّا يعرض أيضا عن التفاسير التي كتبها علماء الأمة بعد عصر تابعي التابعين إلى وقتنا الحاضر، ففيها ثروة تفسيرية
(١) قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٣٣، ٣٤٣): «الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ... وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جدا، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين، ومع هذا فلا بد من اختلاف محقق بينهم». وقال في موضع آخر (١٣/ ٣٦٨): «فأما من حكى خلافا ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ. كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيّع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح ... ».