للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أ- ذهب قوم إلى أن العلة في إعجازه الصرفة.

ب- وزعمت طائفة أن إعجازه إنما هو فيما يتضمنه من الإخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان، وهو يقول: ولا يشكّ في أن هذا وما أشبهه من أخباره نوع من أنواع إعجازه، ولكنه ليس بالأمر العام الموجود في كل سورة من سور القرآن، وقد جعل سبحانه في صفة كل سورة أن تكون معجزة بنفسها.

ج- وزعم آخرون أن إعجازه من جهة بلاغته، وهم الأكثرون من علماء أهل النظر، لكنه يأخذ عليهم أنهم إذا سئلوا عن تحديد هذه البلاغة لم يتمكنوا وقالوا: إن ذلك شيء لا يمكن تصويره وأنه يظهر أثره في النفس حتى لا يلتبس على ذوي العلم والمعرفة به.

ويلخص الخطابي بعد ذلك رأيه في إعجاز القرآن بقوله: «واعلم أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ، في أحسن نظوم التأليف، مضمّنا أصح المعاني» (١).

والتفت الخطابي إلى الأثر الذي يتركه سماع القرآن الكريم في النفس، وجعله أحد وجوه الإعجاز، فقال: «في إعجاز القرآن وجه آخر ذهب عنه الناس، فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في الحال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق، وتغشّاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود، وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها، فكم من عدو للرسول صلى الله عليه وسلم من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون


(١) المصدر نفسه ص ٢٧.

<<  <   >  >>