للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم فكان لكل قبيلة أو مدينة لهجة تميزت بها (١)، لكن التباين بين تلك اللهجات لم يكن يحول بينهم وبين التواصل والتفاهم، وقد وردت نصوص تؤكد أن القرآن الكريم نزل بلغة قريش خاصة، وهم قوم النبي صلى الله عليه وسلم، وسكان مكة وما حولها. منها ما رواه البخاري أن عثمان بن عفان قال لكتّاب المصاحف: «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم» (٢). ومنها رسالة عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود حين بلغه أنه يعلّم الناس القرآن في الكوفة بلغة هذيل وهي:

«أما بعد، فإن الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل» (٣). وقد قال مجاهد بن جبر المكي المفسر المشهور، وأشهر تلامذة ابن عباس، في تفسير قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (٤) [إبراهيم]: نزل القرآن بلسان قريش (٤).

وقد حاز القرآن الكريم أعلى درجات البلاغة وأصفى صور الفصاحة، فأعجز البلغاء وبهر الفصحاء، فهو وإن كان بلغة العرب فإنه كلام رب العالمين، وهو معجزة خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو مع ذلك ميسّر، قال الله تعالى:

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) [القمر]، وأكدت هذا المعنى آيتان أخريان هما قوله تعالى: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) [مريم]، وقوله: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) [الدخان].

قال الطبري في تفسير قوله يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ: «فإنما سهّلنا قراءة هذا القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد بلسانك ليتذكر هؤلاء المشركون الذين أرسلناك إليهم بعبره


(١) ينظر: أبو شامة: المرشد الوجيز ص ١٢٨.
(٢) البخاري: الجامع الصحيح ٦/ ٢٢٤، وينظر: ابن النديم: الفهرست ص ٢٧.
(٣) ينظر: أبو شامة: المرشد الوجيز ص ١٠١، وابن حجر: فتح الباري ٩/ ٢٧.
(٤) السيوطي: الدر المنثور ٥/ ٥.

<<  <   >  >>