للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع أن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة للرسالات السابقة فإنها جاءت امتدادا لها، ومكملة لأحكامها، وقد مثل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الذي رواه البخاري:

«إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلّا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللّبنة، وأنا خاتم النبيين» (١).

وقد أمر الله تعالى المؤمنين بأن يقولوا: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) [البقرة].

إن عربية القرآن لا تلغي موقع العرب المتميز في حملها، فقد اختار الله تعالى العرب للإسلام لخصائص طبعيّة ومزايا خلقية ينفردون بها، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، وقد أثبت العرب الأولون حكمة هذا الاختيار بفهمهم العميق لطبيعة الإسلام، وإساغتهم الكاملة لتعاليمه، وتجردهم النادر عن كل ما ينافيها، وحماستهم المنقطعة النظير في نشر الإسلام، وتفانيهم الغريب في إعلاء كلمته، ورفع شأنه، وأمانتهم الدقيقة في حفظ روحه ونفسيته، ونجاحهم المدهش في تسخير القلوب والعقول لقبول عقيدته وثقافته.

لقد ربط الله بين العرب والإسلام إلى الأبد، وربط مصير أحدهما بالآخر، فلا عز للعرب إلا بالإسلام، ولا يظهر الإسلام في مظهره الصحيح إلا إذا قاد العرب ركبه وحملوا مشعله (٢)، كما أن الله تعالى ربط بين القرآن والعربية، فالقرآن أكبر عوامل حياة هذه اللغة واستمرارها وانتشارها ووحدتها، وتظل اللغة العربية أساسا لتلاوة القرآن وفهمه وتفسير آياته، ومن ثمّ فإن ما لا يحصى من المسلمين من غير العرب يحبون هذه اللغة الكريمة ويحرصون على تعلمها


(١) ابن حجر: فتح الباري ٦/ ٥٨٨.
(٢) ينظر: أبو الحسن الندوي: العرب والإسلام ص ٣ - ٤.

<<  <   >  >>