قال أبو العباس: ترك الاستفهام الأوّل ومال إلى الثاني، كأنّه لَمّا قال: أليسَ أبي بالنَّضْرِ مُقَرِّرًا تَرْكَ هذا، وأضربَ عنه لا إضرابَ إبْطالٍ، لكنّه إضرابُ تركٍ غيرُ إبْطالٍ، ثمَّ استَفْهَمَ الاستفهامَ الآخَرَ، فكأنّه قال: بَلْ أليسَ والدي كذا وكذا، ومثلُ الاستفهام الأوّل في أنْ لم يجْعَل (أمْ) إضرابَ إبْطالٍ إنّما جعلهُ إضرابَ تركٍ غير إبْطالٍ وإقْبالٍ على غيره قولُ الله عز وجل: "أمْ يقولون افتراهُ" بعد قوله "الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه"، ألا ترى أنّ (أمْ) هنا مُحالٌ أنْ تكونَ إضرابَ إبْطال؟.
...
هذا بابُ أوْ
تقولُ:(أيّهم تضْربُ أو تقتُلُ)، (ومَنْ يأتيكَ أوْ يُحدّثُكَ) لا يكونُ هنا إلاّ (أوْ)، من قِبَلِ أنّك تستفهمُ عن المفعول.
قال أبو بكر: لأنَّ (أمْ) اسْتَغْرقَتْها (أيْ)، والحروف الأخَرُ نحو (كيف)، والدّليلُ على أنّ هذه الحروف بمعنى (أيُّ) أنّك إذا سألْتَ بها لم تُجِبْ بلا ونَعَمْ، وإنّما تُجابُ بالشّيْء بعيْنِه، وذلك لأنّك إذا قلتَ: كيفَ زيدٌ، نابَ عن قولِك: أصالِحٌ أمْ طالِحٌ، وكذا أمْ كذا، وأجَبْتَ بحالٍ كما