كَانَ بـ:"مستقر" أو "حاصل"؛ لكان بيانًا للغة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بُعث لبيان الشرع، فرجح جانب الحمل عَلى تقدير الصحة، ويتقوى أيضًا بأن "إنما" لا يخاطب بِها إلا من عنده تردد في الشيء، والذين خوطبوا بذلك هم أهل اللسان، فتعين أنهم إنما خوطبوا بما ليس لهم به علم إلا من قِبَل الشارع، وهو [٢٧/ب] الشرع، فتعين الحمل عَلى الشرع، والله أعلم.
وهذا كله إذا أحدث الأعمال عَلى عمومها، فأما إذا قُلْت: المراد بالأعمال هنا: الأعمال الشرعية دون غيرها؛ فيصح تقدير:"تستقر وتوجد"، ونحو ذلِكَ.
قوله:(وإنَّما لكل امرئ ما نَوى) هذا تأكيد للجملة الأولى ومقولها، ويحتمل أن يُراد من الأولَى: أن الأعمال لا تكون مسقطة للقضاء إلا إذا قارنتها النية، ومن الثانية: أنها إنما تكون مقبولة إذا قارنها الإخلاص.
وَقَالَ الخَطَّابي: أفادت هذه الجملة تعيين العمل بالنية الجازمة، والأولَى أفادت أن الأعمال لا تعتبر إلا إذا كانت بنية.
قوله:(فمن كانت هجرته إلَى دنيا يُصيبها) هو بالقصر بلا تنوين، والهجرة في الأصل: الترك، والمراد بِها هنا: ترك الوطن، وكان واجبًا عَلى من أسلم أن يُهاجر إلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -، مفارقًا دار قومه، فلما فُتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجًا انقطعت هذه الهجرة، وبقيت الهجرة من دار الكفر عَلى حالها، وللهجرة معانٍ أُخَرُ ليست مرادة هنا، وسَيُشَار إلَى شيء منها بعد.
وقد قدمنا النُّكتة في حذفه أحد وجهي التقسيم، وهو قوله:(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"، فلم يجئ في شيء من الروايات، وغلط الشارح الدَّاوُودِي ومن تبعه في إثباتها، والله أعلم.
قوله: (فهجرته إلى ما هاجر إليه) ظاهره اتحاد الشرط والجزاء، وتغايرهما متعين، والجواب: أن تغايرهما لا يتعين باللفظ بل في المعنى، وحينئذٍ فيقدر أو يؤول، كما في قوله تعالَى:{وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}[الفرقان: ٧١].