وإذ تقرر أنه أقام هذا الحديث بدلًا من الخطبة [٢٧/ أ]، ومن حق الخطبة أن يذكر المصنف فيها اصطلاحه، وكان من رأيه تجويز الرواية بالمعنى، والاختصار من الحديث، والاقتصار عَلى دلالة الإشارة غالبًا؛ فاستعمل جميع ذَلِكَ في هذا الحديث.
فإن قيل: ولِمَ لَم يبدأ الخطبة بالْحَمد؟
فالجواب: إن المقصود من الحمد: ذكر الله، وقد وجد بالبسملة، وكذا بالآية الأخرى الَّتِي في الترجمة.
قوله:(إنّما الأعمالُ بالنيات) هذا التركيب يُفيد الحصر بلا خلاف بين المحققين، والحصرُ: إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه.
وإنما اختلفوا في "إنَّما" هل تُفيد الحصر أو تأكيد الإثبات؟
وَعَلى إفادته؛ هل تُفيد النفي بالمنطوق أو بالمفهوم؟ إلَى غير ذَلِكَ من المباحث. والمختار: أنها تُفيد الحصر، لكن قد يصحبها قرائن تدل عَلى إفادتها حصرًا مخصوصًا.
والأعمال: جمع عمل، وهي في مقابلة الأقوال، والمراد: إعمال البدن؛ لأن النية عمل القلب، وليس بمرادٍ لئلا يلزم الدور.
والنيات: جمع نية، وهي: انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالًا ومآلًا. قاله القاضي ناصر الدين البَيْضَاوي، قَالَ: وهذا اللفظ متروك الظاهر؛ لأن الذوات غير منتفية، فيعني أن تقدير:"إنَّما الأعمال بالنيات": لا عمل إلا بنية، والفرض أن ذات العمل الخالي عن النية موجودة، قَالَ: فالمراد نفي أحكامها كالصحة والفضيلة، قَالَ: والحملُ عَلى نفي الصحة أولَى؛ لأنه أشبه بنفي الشيء بنفسه، ولأن اللفظ يدل عليه بالتصريح عَلى نفي الذوات، وبقيت دلالته بالتبع عَلى نفي الصفات.
قُلْتُ: وهذا المحل يحتمل البسط، وقد أكثر الحُذَّاق من الكلام فيه، فاقتصرتُ عَلى كلام هذا القاضي لجودته وتحقيقه.
واستدل الطيبي عَلى صحة ما ذهب إليه من أن المقدَّر الصحة؛ بأن التقدير لو