للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"أسلم"، فيحتمل التأكيد، ويحتمل أن يكون الأمر الأول للدخول في الإسلام، والثاني للدوام عليه كما في قوله تعالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: ١٣٦].

وإعطاؤه الأجر مرتين لكونه كَانَ مؤمنًا بنبيه ثم آمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو موافق لقوله تعالَى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} الآية [القصص: ٥٤]. وسيأتي التصريح بذلك في موضعه في حديث الشَّعْبي في كتاب العلم (١) إن شاء الله تعالَى.

ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه، ومن جهة أن إسلامه يكون سببًا لإسلام أتباعه.

واستنبط منه شيخنا شيخ الإسلام (٢) أن كل من دان بدين أهل الكتاب كَانَ في حكمهم في الذبائح والمناكحة؛ لأن هرقل هو وقومه ليسوا من بني إسرائيل، وهم ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد قَالَ له ولقومه: "يا أهل الكتاب"، فدل عَلى أن لهم حكم أهل الكتاب، خلافًا لمن خص ذَلِكَ بالإسرائيليين، أو بمن علم أن سلفه ممن دخل في اليهودية أو النصرانية بعد التبديل، والله أعلم.

قوله: (فإن توليت) أي: أعرضت عن الإجابة إلَى الدخول في الإسلام، وحقيقة التولي إنما هو بالوجه، ثم استعمل مجازًا في الإعراض عن الشيء، وهو استعارة تَبَعِيَّة.

قوله: (الأريسيين) هو جَمع أريسي، وهو منسوب إلى أريس بوزن فعيل، بفتح أوله مُخففًا، وقد نقلت همزته ياء كما جاءت به رواية الأصيلي وأبي ذر وغيرهما، قَالَ ابن سِيدَه: الأريس [٤٠/ ب]: الأَكَّار، أي: الفلاح عند ثعلب، وعند كراع: الأريس، هو: الأمير، وَقَالَ الجوهري: هِيَ لغة شامية، وأنكر ابن فارس أن تكون عربية، وقيل في تفسيره غير ذَلِكَ.

لكن هذا هو الصحيح هنا، فقد جاء مصرحًا به في رواية ابن إسحاق، عن الزُّهري بلفظ: "فإن عليك إثم الأَكَّارين" (٣). زَادَ البَرْقَاني في روايته: "يعني الحراثين"، ويؤيده أيضًا ما


(١) "صحيح البخاري" (كتاب العلم، باب: تعليم الرجل أمته وأهله) برقم (٩٧).
(٢) هو سراج الدين البلقيني كما سبق.
(٣) أخرجه الطبري في "تاريخه" (٢/ ١٣٠)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٨/ ١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>