للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في رواية المدائني من طريق مرسلة: "فإن عليك إثم الفلاحين"، قَالَ الخطابي: أراد أن عليه إثم الضعفاء والأتباع إذ لم يسلموا تقليدًا له؛ لأن الأصاغر أتباع الأكابر.

قُلْتُ: وفي الكلام حذف دل عليه المعنى، وهو: فإن عليك مع إثمك إثم الأريسيين؛ لأنه إذا كَانَ عليه إثم الأتباع بسبب أنهم تبعوه عَلى استمرار الكفر فلأن يكون عليه إثم نفسه أولَى، وهذا يُعد من مفهوم الموافقة.

ولا يعارض هذا قوله تعالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]؛ لأن وزر الإثم لا يتحمله غيره، ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من وجهين: جهة فعله، وجهة تسببه.

وقد ورد تفسير الأريسيين بمعنى آخر، قَالَ الليث بن سعد، عن يونس فيما رواه الطبراني في "الكبير" (١) من طريقه: "الأريسيون: العَشَّارون"، يعني: أهل المَكْس، والأول أظهر، وهذا إن صحَّ أنه المراد فالمعنى: المبالغة في الإثم، ففي الصحيح في المرأة الَّتِي اعترفت بالزنا: "لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْسٍ لقبلت" (٢).

قوله: (ويا أهل الكتاب. . . إلى آخره) وهكذا وقع بإثبات الواو في أوله، وذكر القاضي عياض أن الواو ساقطة من رواية الأَصِيلي وأبي ذر، وَعَلى ثبوتها فهي داخلة عَلى مقدر معطوف عَلى قوله: "أدعوك"، فالتقدير: أدعوك بدعاية الإسلام، وأقول لك ولأتباعك امتثالًا لقول الله تعالَى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ}.

* فائدة:

قيل: في هذا دليل عَلى جواز قراءة الجنب للآية أو الآيتين، وبإرسال بعض القرآن إلى أرض العدو، وكذا بالسفر به. وأغرب ابن بَطَّال فادعى أن ذَلِكَ [٤١/ أ] نُسخ بالنهي عن السفر بالقرآن إلَى أرض العدو، ويحتاج إلَى إثبات التاريخ بذلك.

ويحتمل أن يُقال: إن المراد بالقرآن في حديث النهي عن السفر به: المصحف، وسيأتي الكلام عَلى ذلِكَ في موضعه، وأما الجنب فيحتمل أن يقال: إما لم يقصد التلاوة جاز.


(١) "المعجم الكبير" (٨/ ١٨).
(٢) أخرجه مُسْلِم في "صحيحه" (كتاب الحدود، باب: من اعترف عَلى نفسه بالزنا) برقم (١٦٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>