ويحتمل أن يكون المراد بذلك: الإشارة إلَى حسن معاملة العبد مع ربه؛ لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه، من باب التنبيه بالأدنى عَلى الأعلى.
* تنبيه:
ذِكْر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب، لأن محافظة المسلم عَلى كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تأكيدًا؛ ولأن الكفار بصدد أن يُقَاتلوا وإن كَانَ فيهم من يجب الكف عنه، والإتيان بجمع التذكير للتغليب، فإن المسلمات يدخلن في ذَلِكَ.
وخص اللسان بالذكر؛ لأنه المعبر عما في النفس، وكذا اليد؛ لأن أكثر الأفعال بِها، والحديث عام بالنسبة إلَى اللسان دون اليد؛ لأن اللسان يُمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعدُ، بخلاف اليد.
نعم؛ يُمكن أن تشارك اللسان في ذَلِكَ بالكتابة، وإن أثرها في ذَلِكَ لعظيم.
وفي التعبير باللسان دون القول نكتة؛ فيدخل فيه من أخرج لسانه عَلى سبيل الاستهزاء، وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة؛ ليدخل فيه اليد المعنوية كالاستيلاء عَلى حق الغير [٥١ / ب] بغير حق.
* فائدة: فيه من أنواع البديع تجنيس الاشتقاق وهو كثير.
قوله (والْمُهَاجِر) هذه الهجرة ضربان ظاهرة وباطنة:
فالباطنة: ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان.
والظاهرة: الفرار بالدين من الفتن.
وكان المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا عَلى مجرد التحول من دارهم حَتَّى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه، ويحتمل أن يكون ذلِكَ قيل بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييبًا لقلوب من لم يدرك ذَلِكَ بأن حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نَهى الله عنه. فاشتملت هاتان الجملتان عَلى جوامع من معاني الحِكَم والأحكام.