للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن الخطاب قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لأنت يا رسول الله أحبُّ إليَّ من [كل] (١) شيء إلا من نفسي. فقال: "لا [٥٥/ ب]؛ والَّذِي نفسي بيده حَتَّى أكون أحب إليك من نفسك". فقال له عمر: فإنك الآن والله أحب إليَّ من نفسي. فقال: "الآن يا عُمَر" (٢). انتهى

فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظمية فقط فإنها حاصلة لعمر قبل ذَلكَ قطعًا.

ومن علامة الحب المذكور: أن يعرض المرء عَلى نفسه أن لو خُيِّر بين فَقْد غَرَض من أغراضه أو فَقْد رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لو كانت ممكنة، فإن كَانَ فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فَقْد شيء من أغراضه؛ فقد اتصف بالأحبية المذكورة، ومن لا فلا.

وليس ذلِكَ محصورًا في الوُجُود والفَقْد، بل يأتي مثله في نُصرة سنته، والذَّب عن شريعته، وقمع مُخالفيها، ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفِي هذا الحديث إيماء إلَى فضيلة التفكر، فإن الأحبية المذكورة تُعرف به، وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها، أما نفسه فإذا حقق الأمر فيه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب، وأما غيره فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما عَلى وجوهه المختلفة حالا ومآلًا.

فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذِي أخرجه من ظلمات الكفر إلَى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب؛ علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السَّرْمَدِي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره؛ لأن النفع الذِي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلكَ بحسب استحضار ذلكَ والغفلة عنه، ولا شك أن حظ الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- من هذا المعنى أتم؛ لأن هذا ثمرة المعرفة، وهم بِها أعلم، والله الموفق.


(١) سقطت من الأصل، وأثبتناها من "الفتح".
(٢) "صحيح البُخَاري" (كتاب الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -) برقم (٦٦٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>