قوله:(أحب إليه) منصوب، قَالَ البيضاوي: المراد بالحب هُنَا: الحب العقليّ الَّذِي هو إتيان ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كَانَ عَلى خلاف هوى النفس، كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله، فإذا تأمل أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلَّا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذَلِكَ؛ تَمرن عَلى الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعا له، ويَلْتَذُ بذلك التِذَاذًا عقليا، إذ الالتذاذ العقليّ إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك، وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة؛ لأنها أظهرت اللذات المحسوسة.
قَالَ: وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانًا لكمال الإيمان؛ لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله وأن لا مانح ولا مانع سواه في الحقيقة، وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول هو الّذِي يبين له مراد ربه؛ اقتضى ذَلِكَ أن يتوجه بكليته نَحوه، فلا يحب إلَّا ما يحب، ولا يُحب من أحب إلَّا من أجله، وأن يتيقن أن جُملة ما وعد وأوعد حق تيقنًا يخيل إليه الموعود كالواقع، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة، وأن العود إلى الكفر إلقاء في النَّار. انتهى ملخصًا.
وشاهد [٥٦/ب] الحديث من القرآن قوله تعالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ}، إلى أن قَالَ:{أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، ثم هدد عَلى ذَلِكَ وتوعد بقوله:{فَتَرَبَّصُوا}[التوبة: ٢٤].
* فائدة:
فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فالأول من الأول، والآخر من الثاني.
وَقَالَ الشيخ مُحيي الدين النووي: هذا حديث عظيم، أصل من الدين، ومعنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات، وتحمل المشاق في الدين، وإيثار ذلِك عَلى أعراض الدُّنْيَا، ومحبة العبد لله بفعل طاعته وترك مُخالفته وكذلك الرسول، وإنما قَالَ:"مما سواهُمَا"، ولم يقل:"ممن" ليعم من يعقل ومن لا يعقل.