للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ: وفيه دليل عَلى أنَّه لا بأس بهذه التثنية، وأما قوله للذي خطب فقال: "ومن يعصهما": "بئس الخَطيب أَنْتَ" (١)؛ فليس من هذا؛ لأن المراد في الخطب الإيضاح، وأما هنا فالمراد الإيجاز من اللفظ ليُحفظ، ويدل عليه [أن] (٢) النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حيث قاله في موضع آخر قَالَ: "ومن يعصهما فلا يضر إلَّا نفسه" (٣).

واعترض بأن هذا الحديث إنما ورد أَيضًا في حديث خطبة النكاح.

وأجيب: بأن المقصود في خطبة النكاح أَيضًا الإيجاز فلا نقض، وثَم أجوبة أخرى: منها: دعوى الترجيح، فيكون خبر المنع أولَى؛ لأنَّه عام والآخر يحتمل الخصوصية، ولأنَّهُ ناقل والآخر مبني عَلى الأصل، ولأنَّهُ قول والآخر فعل.

ورُدَّ بأن احتمال التخصيص في القول أَيضًا حاصل وليس فيه صيغة عموم أصلًا.

ومنها: دعوى أنَّه من الخصائص، فيمتنع من غير النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ولا يمتنع منه؛ لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية، بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذَلِكَ، وإلى هذا مال ابن عبد السلام.

ومنها: دعوى التفرقة بوجه آخر: وهو أن كلامه - صلى الله عليه وسلم - هنا جملة واحدة، فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المُضْمر، وكلام الَّذِي خطب جملتان لا تكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر.

وتعقب هذا بأنه لا يلزم من كونه لا يُكره إقامة الظاهر فيهما مقام المُضمر أن تُكره إقامة المُضْمر فيهما مقام الظاهر، فما وجه الرّد عَلى الخَطيب مع أنَّه هو - صلى الله عليه وسلم - جمع كما تقدم.

ويُجاب: بأن قصة الخَطيب -كما قلنا- ليس فيها صيغة عموم، بل هِيَ واقعة عين، فيحتمل أن يكون في ذلِكَ المجلس من يُخشى عليه توهم [٥٧/ أ] التسوية كما تقدم.


(١) أخرجه مُسْلِم في "صحيحه" (كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة) برقم (٨٧٠).
(٢) مكانها بياض في الأصل، والمثبت من الفتح.
(٣) أخرجه أبو داود في "السنن" (كتاب الصلاة، باب: الرَّجل يخطب عَلى قوس) برقم (١٠٩٧)، وفِي (كتاب النكاح، باب: في خطبة النكاح) برقم (٢١١٩) من حديث عبد الله بن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>