للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: واللفظ المشهور أَيضًا يقتضي الحصر، وكذا ما أورده المصنف في فضائل الأنصار من حديث البراء بن عازب: "الأنصار لا يحبهم إلَّا مؤمن" (١).

فالجواب عن الأول: أن العلامة كالخاصة تطرد ولا تنعكس [٥٨/ أ]، وإن أُخِذ من طريق المفهوم فهو مفهوم لقب لا عبرة به.

والجواب عن الثاني: أن غايته ألَّا يقع حب الأنصار إلَّا لمؤمن، وليس فيه نفي الإيمان عمن لم يقع منه ذلِكَ، بل فيه أن غير المؤمن لا يحبهم.

فإن قيل: فعلى الشق الثاني، هل يكون من أبغضهم منافقًا وإن صَدَّق وأقر؟

فالجواب: أن ظاهر اللفظ يقتضيه؛ لكنه غير مُراد، فيحمل عَلى تقييد البغض بالجهة، فمن أبغضهم من جهة هذه الصفة وهي كونهم نصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَثر ذَلِكَ في تصديقه، فيصح أنَّه منافق، ويُقَرب هذا الحمل زيادة أبي نُعيم في "المستخرج" في حديث البراء: "من أحب الأنصار فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم" (٢).

ويحتمل أن يُقال: إن اللفظ خرج عَلى معنى التحذير فلا يُرَاد ظاهره، ومن ثَمَّ لم يقابل الإيمان بالكفر الذِي هو ضده، بل قابله بالنفاق، إشارة إلى أن الترغيب والترهيب إنما خوطب به من يُظهر الإيمان, أما من يُظهر الكفر فلا؛ لأنَّه مرتكب ما هو أشد من ذَلِكَ.

قوله: (الأنصار) هو جمع ناصر كأصحاب وصاحب، أو جمع نَصِير كأشراف وشريف. واللام: للعهد؛ أي: أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمراد: الأوس والخزرج، وكانوا قبل ذَلِكَ يعرفون ببني قَيْلَة -بقاف مفتوحة وياء تحتانية ساكنة-، وهي الأم التِي تجمع القبيلتين، فسماهم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: الْأَنصار، فصار ذَلِكَ علمًا عليهم، وأُطْلق أيضًا عَلى أولادهم وحلفائهم ومواليهم.

وخصوا بهذه المنقبة العُظْمَى لِمَا فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النَّبِي


(١) "صحيح البخَاري" (كتاب المناقب، باب: حب الْأَنصار) برقم (٣٧٨٣).
(٢) "مستخرج أبي نعيم" (١/ ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>