للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (بايعوني) زاد في "باب: وُفُود الأنْصَار": "تَعَالوا بَايعوني" (١)، والمُبَايعة: عبارة عن المُعَاهدة، سُميت بذلك تشبيهًا بالمُعَاوضة المالية، كما في قوله تعالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة ١١١].

قوله: (ولا تقتلوا أولادكم) قَالَ مُحَمَّد بن إسماعيل التَّيمي وفيه: خُص القتل بالأولاد؛ لأنَّه قتل وقطيعة رَحِم، فالعناية بالنهي عنه آكد؛ ولأنَّهُ كَانَ شائعًا فيهم؛ وهو وَأد البنات أو قَتْل البنين خَشْية الإِمْلاق، أو خصهم بالذكر؛ لأنهم بصدد ألا يدفعوا عن أنفسهم.

قوله: (ولا تأتوا ببهتان) البُهْتَان: الكذب الَّذِي يُبهت سامعه، وخص الأيدي والأرجل بالإفتراء؛ لأن معظم الأفعال تقع بِهما؛ إذ كانت هِيَ العوامل والحوامل للمباشرة والسعي، وكذا يسمون الصَّنَائع: الأيادي، وقد يعاقب الرَّجل بجناية قولية، فيقال: هذا مما كسبت يداك.

ويُحتمل أن يكون المراد: لا تَبْهتوا النَّاس كِفاحًا وبعضكم يشاهد بعضًا، كما يُقال: قُلْتُ كذا بين يَدَي فلان، قَالَ الخطابي وفيه نظر لذكر الأرجل إن لم يكن مقتضيا وليس بمانع.

ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدي والأرجل: القلب؛ لأنَّه هو الَّذِي يترجم اللسان عنه؛ فلذلك نسب إليه الافتراء، فإن المعنى: لا ترموا أحدًا بكذب تزَوِّرونه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم.

وَقَالَ أبو مُحَمَّد بن أبي حَمزة: يحتمل [٥٩/ب] أن يكون قوله: "بين أيديكم" أي: في الحال، وقوله: "وأرجلكم" أي: في المستقبل؛ لأن السعي من أفعال الأرجل.

وَقَالَ غيرِه: أصل هذا كَانَ في بيعة النساء وكُني بذلك، كما قاله الهَرَوي في "الغريبين" عن نِسْبة المرأة الولد الذِي تزني به أو تلتقطه إلى زوجها، ثم لَمَّا استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال احتيج إلَى حَمله عَلى غير ما ورد فيه أولًا، والله أعلم.


(١) "صحيح البُخَاري" (كتاب مناقب الْأَنصار، باب: وفود الْأَنصار إلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وبيعة العقبة) برقم (٣٨٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>