للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فظهرت المناسبة بين الآية والحديث، وظهر وجه دخولهما في مباحث الإيمان, فإن فيه دليلًا عَلى بطلان قول الكَرَّامية: إن الإيمان قول فقط، ودليلًا عَلى زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أعلمكم بالله" ظاهر في أن العلم بالله درجات، وأن بعض النَّاس فيه أفضل من بعض، وأن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - منه في أعلى الدرجات، والعلم بالله يتناول ما بصفاته وما بأحكامه وما يتعلق بذلك، فهذا هو الإيمان حقًا.

* فائدة:

قَالَ إمام الحرمين: أجْمَع العلماء عَلى وجوب معرفة الله تعالَى، واختلفوا في أول واجب، فقيل: المعرفة، وقيل: النظر.

وَقَالَ المقترح: لا اختلاف؛ فإن أول واجب خطابا ومقصودًا المعرفة، وأول واجب اشتغالًا وأداء القَصْد إلَى النظر، وفِي نقل الإجماع نظر كبير ومنازعة طويلة، حَتَّى نقل جَماعة الإجماع في نقيضه، واستدلوا بإطباق أهل العصر الأول عَلى قبول الإِسلام ممن دخل فيه من غير تنقيب، والآثار في ذَلِكَ كثيرة جدًا.

وأجابَ الأولون عن ذَلِكَ بأن الكفار كانوا يذبون عن دينهم ويقاتلون عليه، فرجوعهم عنه دليل عَلى ظهور الحق لهم، ومقتضى هذا أن المعرفة المذكورة يكتفى فيها بأدنى نظر بخلاف ما قرروه، ومع ذَلِكَ فقول الله تعالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]. وحديث: "كل مولود يولد عَلى الفطرة" (١)؛ ظاهران في دفع هذه المسألة من أصلها.

وقد نقل القدوة أبو مُحَمَّد بن أبي جَمرة، عن أبي الوليد البَاجي، عن أبي جعفر السِّمناني -وهو من كبار الأشاعرة- أنَّه سمعه يقول: إن هذه المسألة من مسائل المُعتزلة بقيت في المذهب، والله المستعان.


(١) أخرجه البُخَارِيّ في "صحيحه" (كتاب الجنائز، باب: ما قيل في أولاد المشركين) برقم (١٣٨٥)، وأبو داود في "السنن" (كتاب السنة، باب: في ذراري المشركين) برقم (٤٧١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>