للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه دليل عَلى قبول الأعمال الظاهرة، والحكم بما يقتضيه الظاهر، والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم خلافًا لمن أوجب تعلُّم الأدلة -وقد تقدم ما فيه-.

ويؤخذ منه: ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع، وقبول توبة الكافر من كُفره، من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن.

فإن قيل: مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف ترك قتال مُؤَدِّي الجزية والمعاهد؟

* فالجواب من أوجه:

أحدها: دعوى النسخ، بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرًا عن هذه الأحاديث، بدليل أنَّه متأخر عن قوله تعالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥].

ثانيها: أن يكون من العام الَّذِي خُصَّ منه البعض؛ لأن المقصود من الأمر: حصول المطلوب، فإذا تخلف البعضُ لدليل لم يَقْدَح في العموم.

ثالثها: أن يكون من العام الَّذِي أريد به الخاص، فيكون المراد بالنَّاس في قوله: "أقاتل النَّاس" أي: المشركين غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسَائي بلفظ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ المشركين" (١).

فإن قيل: إذا تم هذا في أهل الجزية لم يتم في المُعَاهِدين ولا في من منع الجزية.

أجيب: بأن المُمْتَنَع في ترك المقاتلة رفعها لا تأخيرها مدة كما في الهُدنة ومقاتلة من امتنعَ من أداء الجزية بدليل الآية.

رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها: التعبير عن إعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين، فيحصل في بعضٍ بالقتل، وفي بعض بالجزية، وفي بعضٍ بالمعاهدة (٢).

خامسها: أن يكون المراد بالقتال: هو، أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها.


(١) سنن النسَائي الكبرى (كتاب تحريم الدم) (٢/ ٢٧٩)، وفي "المجتبى" في نفس الكتاب والباب (٧/ ٧٥، ٧٦).
(٢) في الأصل: "في المعاهدة"، والمثبت من "الفتح".

<<  <  ج: ص:  >  >>