للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثانيهما: إرشاده إلَى التوقف عن الثناء بالأمر الباطن دون الثناء بالأمر الظاهر.

فوضح بهذا فائدة رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عَلى سعد، وأنه لا يستلزم محض الإنكار عليه، بل كَانَ أحد الجوابين عَلى طريق المشورة بالأولى، والآخر عَلى طريق الاعتذار.

فإن قيل: كيف لم يقبل شهادة سعد لِجُعَيْل بالإِيْمان، ولو شهد له بالعدالة لقبل، وهي تستلزم الإيْمان؟

فالجواب: أن كلام سعد لم يخرج مخرج الشهادة، وإنما خرج مخرج المدح له، والتوسل في الطلب لأجله، فلهذا نوقش في لفظه، حَتى ولو كَانَ بلفظ الشهادة لما استلزمت المشورة عليه بالأمر الأولى رد شهادته، بل السياق يرشد إلى أنَّه قَبِل قَولَه فيه، بدليل أنَّه اعتذر إليه.

ورُوِّينا في "مسند" محَمد بن هارون الرُّويَاني وغيره بإسناد صحيح إلَى أبي سلام الجيْشَاني، عن أبي ذر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ له: "كيف [ترى] (١) جُعَيْلًا؟ " قَالَ: قُلْتُ: كشكله من النَّاس، يعني: المهاجرين. قَالَ: "فكيف ترى فلانًا؟ " قَالَ: قُلْت: سيدًا من سادات النَّاس. قَالَ: "فجعيل خير من ملء الأرض من فلان". قَالَ: قلتُ: ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع؟ ! قَالَ: "إنه رأس قومه فأنا أتألفهم به". فهذه منزلة جُعَيْل المذكور عند النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كما ترى، وظهرت بهذا الحكمة في حرمانه وإعطاء غيره، وأن ذَلِكَ لمصلحة التأليف كما قررناه.

* وفِي حديث الباب من الفوائد:

التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإِسلام، وترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم يُنَص عليه، وأما منع القطع بالجنة فلا يؤخذ من هذا صريحًا وإن [٧٠/أ] تعرض له بعض الشارحين، نعم؛ هو كذلك فيمن لم يثبت فيه النص.

* وفيه الرد عَلى غلاة المرجئة في اكتفائهم في الإيمان بنطق اللسان.

* وفيه جواز تصرف الإِمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم وإن خفي وجه ذَلِكَ عَلى بعض الرعية.


(١) زيادة من "الفتح".

<<  <  ج: ص:  >  >>