للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فساد الفعل بالخيانة، وَعَلى فساد النية بالخُلف؛ لأن خُلف الوعد لا يقدح إلا إذا كَانَ العزم عليه مقارنًا للوعد، أما لو كَانَ عازمًا ثم عَرَض له مانع أو بَدَا لَهُ رأي فهذا لم توجد منه [٧٦ / ب] صورة النفاق، قَالَه الغزالي في "الإحياء" (١).

وفِي الطبراني في حديث طويل ما يشهد له، ففيه من حديث سلمان: "إذا وعد وهو يُحدث نفسه أنه يُخْلِف" (٢)، وكذا قَالَ في باقي الخصال، وإسناده لا بأس به، ليس فيهم من أجمع عَلى تركه.

قوله: (إذا وعد) قَالَ صاحب "المُحْكَم": يُقال: وعدته خيرًا ووعدته شرًا، فإذا أسقطوا الفعل قالوا في الخير: وعدته، وفِي الشر: أوعدته. وحكى ابن الأعرابي في نوادره: أوعدته خيرًا بالهمزة. فالمراد بالوعد في الحديث: الوعد بالخير، وأما الشر فيستحب إخلافه، وقد يجب ما لم يترتب عَلى ترك إنفاذه مفسدة.

وأما الكذب في الحديث فحكى ابن التين، عن مالك أنه سُئل عمَّن جُرِّب عليه كذب فقال: أي نوع من الكذب؟ لعله حدَّث عن عَيْش له سَلَفَ فبالغ في وصفه فهذا لا يضر، وإنما يضر من حدَّث عن الأشياء بخلاف ما هِيَ عليه قاصدًا للكذب. انتهى

وَقَالَ النووي: هدا الحديث عَدَّه جماعة من العلماء مُشكلًا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجتمع عَلى عدم الحكم بكفره. قَالَ: وليس فيه إشكال، بل معناه صحيح، والذِي قاله المحققون: أن معناه: أن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافق في هذه الخصال ومُتَخَلِّق بأخلاقهم.

قُلْتُ: ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية عَلى المجاز، أي: صاحب هذه الخصال كالمنافق، وهو بناء عَلى أن المراد بالنفاق: نفاق الكفر.


(١) "إحياء علوم الدين" (كتاب شرح عجائب القلب، باب: بيان عظيم خطر اللسان وفضيلة الصمت) (٣/ ١٣٣).
(٢) "المعجم الكبير" (٦/ ٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>