للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنها حديث بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم هديًا قاصدًا، فإن من يشادَّ هذا الدين يغلبه" (١)، رَوَاهُمَا أحمد وإسناد كل منهما حسن.

قوله: (ولن يُشاد الدين. . . . إلا غلبه) هكذا في روايتنا بإسقاط الفاعل، وثبت في رواية ابن السَّكَن وفي بعض الروايات عن الأصِيلي بلفظ: "ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه"، وكذا هو في طرق هذا الحديث عند الإسماعيلي، وأبي نُعَيْم، وابن حِبَّان وغيرهم (٢).

و"الدين" منصوب عَلى المفعولية وكذا في روايتنا أيضًا، وأضمر الفاعل للعلم به، وحكى صاحب "المطالع" أن أكثر الروايات برفع "الدين" عَلى أن "يُشَاد" مبني لما لم يسم فاعله، وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب، ويُجمع بين كلاميهما بأنه بالنسبة إلَى روايات المغاربة والمشارقة.

والمُشَادَّة -بالتشديد-: المغالبة، يقال: شادَّه يُشَاده مُشَادَّة، إذا قاواه، والمعنى: لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عَجَز وانقطعَ فيُغلب، قالَ ابن المنير: في هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع. انتهى

وليس المراد: منع طلب الأكمل في العبادة فإنه (٣) من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلَى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلَى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يُصلي الليل كله ويغالب النوم إلَى أن غلبته عيناه في آخر الليل، فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلَى أن خرج الوقت المختار، أو إلَى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة.


(١) "مسند أحْمَد" (٥/ ٣٥٠، ٣٦١).
(٢) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (كتاب البر والإحسان، باب: ما جاء في الطاعات وثوابها) برقم (٣٥٢).
وأخرجه النّسَائي في "سننه الكبرى" (كتاب الإيمان وشرائعه، باب: الدين يُسر) (٦/ ٥٣٧)، وفي "المجتبى" في نفس الكتاب والباب (٨/ ١٢١).
(٣) في الحاشية نسخة أخرى فيها: "لأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>