للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: فَلِمَ أعاد في هذا الباب الآيتين المذكورتين فيه وقد تقدما في أول كتاب الإيمان؟

فالجواب: أنه أعادهما ليوطئ بِهما معنى الكمال المذكور في الآية التالية؛ لأن الاستدلال بهما نص في الزيادة وهو مستلزم للنقص، وأما الكمال فليس نصًّا في الزيادة بل هو مستلزم للنقص فقط، واستلزامه للنقص يستدعي قبوله للزيادة، ومن ثَمَّ قالَ المصنف: "فإذا ترك شيئًا من الكمال فهو ناقصٌ"، ولهذه [٨٦ / أ] النكتة عدل في التعبير للآية الثالثة عن أسلوب الآيتين، حيث قَالَ أولًا: "وقول الله". وَقَالَ ثانيًا: "وَقَالَ".

وبهذا التقرير يندفع اعتراض من اعترض عليه بأن آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ} [المائدة: ٣]. لا دليل فيها عَلى مراده؛ لأن الإكمال إن كَانَ بمعنى إظهار الحجة عَلى المخالفين أو بمعنى إظهار أهل الدين عَلى المشركين فلا حجة للمصنف فيه، وإن كَانَ بمعنى إكمال الفرائض لزم عليه أنه كَانَ قبل ذلك ناقصًا، وأن من مات من الصحابة قبل نزول الآية كَانَ إيمانه ناقصًا، وليس الأمر كذلك؛ لأن الإيمان لم يزل تامًا.

ويوضح دفع هذا الاعتراض جواب القاضي أبو بكر ابن العربي: بأن النقص أمر نسبي، لكن منه ما يترتب عليه الذم، ومنه ما لا يترتب، فالأول ما نقصه بالاختيار كمن علم وظائف الدين ثم تركها، والثاني ما نقصه بغير اختيار كمن لَم يعلم أو لَم يكلف، فهذا لا يُذم بل يُحمد من جهة أنه إن كَانَ قلبه مطمئنا بأنه لو زيد لقبُل ولو كُلِّف لعمل، وهذا شأن الصحابة الذين ماتوا قبل نزول الفرائض، ومُحصله: أن النقص بالنسبة إليهم صُوري، ولَهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى.

قوله: (هشام) هو ابن أبي عبد الله الدَّسْتَوائي، يكنى أبا بكر، وَفِي طبقته هشام بن حَسَّان لكنه لم يرو هذا الحديث.

قوله: (يَخرج) بفتح أوله وضم الراء، ويروى بالعكس، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: "أخرجوا" (١).


(١) أخرجه الترمذيّ في "جامعه" (كتاب صفة جهنم، باب: أن للنار نفسين وما ذكر من يَخرج من =

<<  <  ج: ص:  >  >>