للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (خَمس صلوات) في رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة أنه قَالَ في سؤاله: "أخْبِرْني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس"، فتبين بهذا مطابقة الجواب للسؤال.

ويستفاد من سياق مالك: أنه لا يجب شيء من الصلوات في كل يوم وليلة غير الخمس، خلافًا لِمن أوجب الوتر، أو ركعتي الفجر، أو صلاة الضحى، أو العيد، أو الركعتين بعد المغرب.

قوله: (هل عليَّ غيرها؟ قَالَ: لا، إلا أن تطوع) تَطوع: بتشديد الطاء والواو، وأصله: تتطوع بتاءين، فأدغمت إحداهُما، ويَجوز تَخفيف الطاء عَلى حذف إحداهما.

واستُدل بهذا عَلى أن الشروع في التطوع يوجب إتمامه، تمسكًا بأن الاستثناء فيه متصل، قَالَ القرطبي: لأنه نفى [وجوب] (١) شيء آخر إلا ما تطوع به، والاستثناء من النفي إثبات، ولا قائل بوجوب التطوع، فيتعين أن يكون المراد إلا أن تَشْرَع في تطوع فيلزمك إتمامه.

وتعقبه الطيبي بأن ما تمسك به مغالطة؛ لأن الاستثناء هُنا من غير الجنس؛ لأن التطوع لا يقال فيه: "عليك"، فكأنه قَالَ: لا يجب عليك شيء إلا إن أردت أن تطوع فذلك لك، وقد عُلِمَ أن التطوع ليس بواجب، فلا يَجب شيء آخر أصلًا.

كذا قَالَ، وحرف المسألة دائرٌ عَلى الاستثناء، فمن قَالَ: إنه متصل، تمسك بالأصل، ومن قَالَ: إنه منقطع، احتاج إلى دليل، والدليل عليه ما روى النَّسَائي وغيره: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أحيانًا ينوي صوم التطوع ثم يفطر (٢)، وفِي البُخَاريّ أنه أمر جُويْرِية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه (٣)، فدل عَلى أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في الباقي.


(١) زيادة من "الفتح".
(٢) أخرجه النسائي في "الكبرى" (كتاب الصيام، باب: النية في الصيام) (٢/ ١١٤ - ١١٦)، وفي "المجتبى" في نفس الكتاب والباب (٤/ ١٩٣ - ١٩٦).
وكذا رواه مسلم في "صحيحه" (كتاب الصيام، باب: جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلًا من غير عذر) برقم (١١٥٤)، وغيره.
(٣) "صحيح البُخَاريّ" (كتاب الصوم، باب: صوم يوم الجمعة) برقم (١٩٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>