للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (الإحسان) هو مصدر، تقول: أَحْسَنَ إحسانًا، ويتعدى بنفسه وبغيره، تقول: أحسنتُ كذا: إذا أتقنته، وأحسنتُ إلَى فلان: إذا أوصلت إليه النفع، والأول هو المراد، لأن المقصود إتقان العبادة، وقد يُلحظ الثاني بأن المخلص مثلًا يحسن لإخلاصه إلَى نفسه، وإحسان العبادة: الإخلاص فيها، والخشوع، وفراغ البال حال التلبس بها، ومراقبة المعبود، وأشار في الجواب إلَى حالتين:

أرفعهما: أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حَتى كأنه يراها بعينه وهو قوله: (كأنك تراه) أي: وهو يراك.

والثانية: أن يستحضر أن الحق مطلع عليه، يرى كل ما يعمل وهو قوله: (فإنه يراك).

وهاتان الحالتان تثمرهما معرفة الله وخشيته، وقد عبر في رواية عُمَارة بن القعقاع بقوله: "أن تخشى الله كأنك تراه".

قالَ النووي: معناه أنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك، لكونه يراك لا لكونه تراه، فهو دائمًا يراك، فأحسن عبادته وإن لَم تره، فتقدير الحديث: فإن لَم [تكن] (١) تراه فاستمر عَلى إحسان العبادة فإنه يراك.

* تنبيه:

دل سياق الحديث عَلى أن رؤية الله في [٩٨ / ب] الدُّنْيَا بالأبصار غير واقعة، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فذاك لدليل آخر، وقد صرح مُسْلِم في روايته من حديث أبي أمامة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واعلموا أنكم لن تروا ربكم حَتَّى تَموتوا" (٢).


(١) زيادة من "الفتح".
(٢) هذا اللفظ من حديث أبي أمامة ليس في "صحيح مُسْلِم"، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (كتاب الفتن والملاحم، باب: إن الله تعالَى لَم يبعث نبيًّا إلا حذر أمته الدجال) (٤/ ٥٣٦، ٥٣٧)، ولفظه: "وإنكم لن تروا ربكم حتَّى تموتوا"، وَقَالَ: هذا حديثٌ صحيحٌ عَلى شرط مُسْلِم، ولَم يخرجاه بهذه السياقة.
أما الحديث الَّذِي أخرجه مُسْلِم في "صحيحه" (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر ابن صياد) برقم (٢٩٣١)، فهو من حديث عبد الله بن عمر، ولفظه: "لن يرى أحد منكم ربه -عَزَّ وَجَلَّ- حَتَّى يموت".

<<  <  ج: ص:  >  >>