بالنوع متعدد بحسب وظائفه، كما أن المنهي عنه وهو الانتباذ فيما يُسْرع إليه الإسكار واحد بالنوع متعدد بحسب أوعيته.
والحكمة في الإجمال بالعدد قبل التفسير أن تتشوف النفس إلَى التفصيل ثم تسكن إليه، وأن يتحصل حفظها للسامع، فإذا نسي شيئًا من تفاصيلها طالب نفسه بالعدد، فإذا لَم يستوفِ العدد الَّذِي في حفظه علم أنه قد فاته بعض ما سمع.
وما ذكره القاضي عياض من أن السبب في كونه لَم يذكر الحج في الحديث لأنه لَم يكن فُرض هو المعتمد، وقد قدمنا الدليل عَلى عدم إسلامهم، لكن جَزْم القاضي بأن قدومهم كَانَ في سنة ثمانٍ قبل فتح مكة تَبِع فيه الوَاقِدي، وليس بجيد؛ لأن فرض الحج كَانَ سنة ستٍّ عَلى الأصح كما سنذكره في موضعه إن شاء الله، ولكن القاضي يختار أن فرض الحج كَانَ سنة تسعٍ حَتَّى لا يَرد عَلى مذهبه أنه عَلى الفور شيء.
وقد احتج الشافعي بكونه عَلى التراخي بأن فرض الحج كَانَ بعد الهجرة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ قادرًا عَلى الحج في سنة ثمانٍ وفِي سنة تسعٍ ولَم يحج إلا في سنة عشرٍ.
وأما قول من قَالَ: إن ترك ذكر الحج لكونه عَلى التراخي فليس بجيد؛ لأن كونه عَلى التراخي لا يمنع من الأمر به.
وكذا قول من قَالَ: إنما تركه لشهرته عندهم ليس بقوي [١٠٩/ ب]؛ لأنه عند غيرهم ممن ذكره لهم أشهر منه عندهم.
وكذا قول من قَالَ: إن ترك ذكره لأنهم لَم يكن لهم إليه سبيل من أجل كفار مُضَر ليس بمستقيم؛ لأنه لا يلزم من عدم الاستطاعة في الحال ترك الإخبار به ليعمل به عند الإمكان كما في الآية، بل دعوى أنهم كانوا لا سبيل لهم إلَى الحج ممنوعة؛ لأن الحج يقع في الأشهر الحُرُم، وقد ذكروا أنهم كانوا يأمنون فيها.
لكن يُمكن أن يقال إنه إنما أخبرهم ببعض الأوامر لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة، فاقتصر لهم عَلى ما يمكنهم فعله في الحال، ولَم يقصد إعلامهم