للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُجاهد، عن ابن عمر قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك" (١). هكذا أورده مُختصرا وإسناده صحيح، وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة.

وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إِذَا قطع رأسها ماتت، أو أنها لا تحمل حَتى تلقح، أو لأنها تموت إذا غرقت؛ أو لأن لطلعها رائحة مني الآدمي، أو لأنها تعشق، أو لأنها تشرب من أعلاها، فكلها أوجه ضعيفة؛ لأن جَميع ذَلِكَ من المشابهة مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم.

وأضعف من ذلِكَ قول من زعم أن ذَلِكَ لكونها خُلقت من فضلة طينة آدم، فإن الحديث في ذلِكَ لَم يثبت (٢).

* وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الأفهام، وتصوير المعاني لترسخ في الذهن، ولتجديد الفكر في النظر في حكم الحادثة.

* وفيه إشارة إلَى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جَميع وجوهه، فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجمادات ولا يعادله.

* وفيه توقير الكبير، وتقديم الصغير أباه في القول، وأنه لا يبادره بما فهمه وإن ظن أنه الصواب.

* وفيه أن العالم الكبير قد يَخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه، لأن العلم مواهب والله يؤتي فضله من يشاء.

واستدل به مالك عَلى أن الخواطر الَّتِي تقع في القلب من مَحبة الثناء عَلى أعمال الخير لا يُقدح فيها إِذا كَانَ أصلها لله وذلك مستفاد من تمني عمر المذكور، ووجه تمني عمر ما طُبع الإنسان عليه من مَحبة الخير لنفسه ولولده، ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره وليزداد من النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حظوة، ولعله كَانَ يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم.


(١) عزاه الهيثمي للبزار في "مَجمع الزوائد" (كتاب الإيمان، باب: في مثل المؤمن) (١/ ٨٣).
(٢) أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٦/ ١٢٣)، ولفظه: "أكرموا عمتكم النخلة فإنها خُلقت من فضلة طينة أبيكم آدم. . . .".
وَرَوَاهُ ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" في ترجمة جعفر بن أحْمَد بن علي بن بيان (٢/ ١٥٦) هو وحديثا آخر، ثئم قَالَ: "وهذان الحديثان موضوعان ولا أشك أن جعفر وضعهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>