وفي مسند أحمد من حديث علي أنه المأمور بذلك، ولفظه:"أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن آتيه بطبق -أي: كتف- يكتب ما لا تضل أمتُهُ من بعده"(١).
قَؤلُهُ:(كتابًا) بعد قوله: "بكتاب" فيه الجناس التام بين الكلمتين وإن كانت إحداهُمَا بالحقيقة والأخرى بالمجاز.
قَوْلُهُ:(لا تضلوا) هو نفي، وحذفت النون في الروايات التي اتصلت لنا؛ لأنه بدل من جواب الأمر، وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز.
قَوْلُهُ:(غلبه الوجع) أي: فيشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتاب، وكأن عُمر فهم من ذلك أنه يقتضي التطويل.
قال القُرْطبي وغيره:"ائتوني" أمر، وكان حق المأمور أن يبادر إلَى الامتثال [١٥٨/ أ] لكن ظهر لعُمر مع طائفة أنه ليس على الوجوب، وأنه من باب الإرشاد إلَى الأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة، مع استحضارهم قوله تعالَى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨]. وقوله تعالَى:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩]. ولهذا قال عمر:"حسبنا كتاب الله".
وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن تكتب؛ لما فيه من امتثال أمره، وما يتضمنه من زيادة الإيضاح.
ودل أمره لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار؛ ولِهذا عاش - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبًا لم يتركه لاختلافهم؛ لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف، وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر، فإذا عزم امتثلوا، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالَى، وقد عُدَّ هذا من موافقة عُمر - رضي الله عنه -.
واخْتُلف في المراد بالكتاب، فقيل: كان أراد أن يكتب كتابًا ينص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف، وقيل: أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف، قاله سفيان بن عيينة، ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في أوائل مرضه وهو عند