الباب وربما كَانَ خَفِيًّا، والخفي ربما حصلَ تناوله بالاقتضاء أو باللزوم، أو بالتمسك بالعموم، أو بالرمز إلى مخالفة مخالف، أو بالإشارة إلى أن في بعض طُرق ذَلكَ الحديِث ما يُعطي المقصودَ وإن خلا عنه لفظ المتن المُسَاق هناك، تنبيهًا عَلى ذَلكَ المشار إليه بذلك، وأنه صَالِح لأن يُحْتجَّ به وإن كَانَ لا يرْتَفع (١) إلَى درجة شرطه.
واحتاجَ إلى هذا وأمثاله أن يُكرر الأحاديث؛ لأن كثيرًا من المتون يَشْتمل عَلى عدة أحكام، فيحتاج أن يذكر في كل باب يليق ذِكْرُ ذَلكَ الحكم فيه ذَلِكَ الحديث بعينه، فإن سَاقه بتمامه إسنادًا ومتنًا طَالَ التكرير [٤/ ب]، وخرج عن وَضع الاختصار، وإن أَهْمله فلا يليق به، فَتَصَرَّف فيه بوجوه من التَّصَرُّف وهو أن ينظر في الإسناد إلَى غاية مَن يَدور عليه الحديث مِن الرواة؛ أي: يَنْفرد بروايته، فيُخرجه في باب عن راوٍ يرويه عن ذَلكَ المُنفرد، وفِي باب آخر عن رَاوٍ آخر عن ذَلك المُنْفَرد وهلُمَّ جَرًّا.
فإن كثرت الأحكام عن عدد الرواة عَدَل عن سِيَاقة تامِّ الإسناد إلَى اختصاره مُعَلَّقًا، وهذه إحدى الحِكَم في تعليقه ما وَصَله في موضع آخر، وإن ضاق مخرجه كأن يكون فردًا مُطلقًا تصرف حينئذٍ في المتن، فيسوقه تارة تامًّا، وتارة مُقتصرًا عَلى بعضه، بحسب نشاطه، وبحسب ما يحتاج إليه في ذَلِكَ الباب.
فعُلم من هذا أنه لا يكرر إلا لفائدة، ففي التحقيق لا تكرار فيه؛ إذ حقيقة التكرار أن يُعيد بلا فائدة، ولم أره خالف هذا إلا في مواضع نادرة.
ثم إنه في حال تصنيفه كأنه بسط التراجم والأحاديث، فجعل لكل ترجمة حديثًا يلائمها، وبقيت عليه تراجم لم يجد في الحالة الراهنة ما يلائمها فأخلاها عن الحديث، وبقيت عليه أحاديث لم يتضح له ما يرتضيه في الترجمة عنها فجعل لَها أبوابًا بلا تراجم، فيوجد فيه أحيانًا باب مترجم وليس فيه سوى آية أو كلام لبعض الصحابة أو من بعدهم، وأحيانًا باب غير مترجم وقد ساق فيه حديثا أو أكثر، والنكتة في ذَلِكَ ما أشرت إليه.