لأن مدار حكم الحاكم هو في الظاهر على كلام الخصمين لا حظ له في الباطن لأنه لا يبلغه علمه فلا ينفذ فيه حكمه وانما يحكم في الظاهر والباطن الظاهر الباطن سبحانه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر وانكم تختصمون الي ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض فأقضى له على نوع ما اسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذه فانما اقطع له قطعة من النار فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم المصطفى للاطلاع على الغيب يتبرأ من الباطن ويتنصل من تعدي حكمه اليه فكيف بغيره من الخلق وهذا يدل على أن الحاكم مصيب في حكمه في الظاهر وان أخطأ الصواب عند الله تعالى في الباطن لأن الله سبحانه قال وتدلوا بها إلى الحكام لتاكلوا بحكمهم وانتم تعلمون بطلان ذلك والحاكم في عفو الله وثوابه والظالم في سخط الله تعالى وعقابه انتهى (قلت) الحديث والاية يدلان على أن حكم الحاكم لا يحل الحرام لأنه لا يتناول إلَّا الظاهر فقط على القول الصحيح (الثانية) كأن قائلاً قال له حيث كان لا يجوز للقاضي أن ينفذ الحكم إذا لم يظهر له وجهه فما يصنع اجاب عنه بقوله
(والصلح يستدعي له أن اشكلا ... حكم وان تعين الحق فلا)
(ما لم يخف بنافذ الاحكام ... فتنة أو شحنا أولي الارحام)
يعني أن القاضي إذا اشكل عليه وجه الحكم أو المحكوم به بسبب تداخل كلام المتخاصمين كما تقدم أو تعارض البينات أو الأقوال فانه يدعوهما للصلح لأنه لا يجوز له أن ينفذ حكمه والحالة ما ذكر كما مر أما أن ظهر له وجه الحكم أو النص الذي يحكم به أو ترجيح احدى البينتين فلا يجوز له أن يدعوهما إلى الصلح بل الواجب عليه أن ينفذ حكمه إلَّا إذا خاف بتنفيذ حكمه حصول فتنة بين الخصوم أو وقوع الشحناء والبغض بين ذوي الارحام وكذلك اهل الفضل فانه يامرهم بالصلح. وقال كثير من اصحاب مالك لا بأس أن يامرهما بالصلح متى رآه قبل النظر وبعده