عبيده، تحت تصرفه وقهره، ومع ذلك لم يكونوا بهذا الإقرار مسلمين، ولا موحدين، ولا مؤمنين، بل كانوا مشركين.
وإذا تحققت أن التوحيد الذي أنكروه هو توحيد العبادة؛ لأنهم كانوا يعبدون مع الله غيره، فمنهم من يعبد الملائكة لصلاحهم وقربهم من الله تعالى؛ يريد شفاعتهم، ومنهم من يعبد الأنبياء كالنصارى في عبادتهم للمسيح، ومنهم من يعبد بعض الصالحين، مثل الذين كانوا يعبدون اللاتَ، وهو الرجل الصالح الذي كان يلت السويق للحجيج في الطائف (١).
والشيخ ﵀، يقول: إن توحيد العبادة هو الذي يسميه أهل زماننا أو مشركو زماننا: «الاعتقاد»، ويقولون: يعتقد بالرسول، ويعتقد بالولي الفلاني، فيدعونه ويرجونه ويخافونه.
وتوحيد العبادة حقيقته، هو: إفراد الله بالحب والخوف، والرجاء والتوكل، وكل أنواع العبادة، فالمشركون الأولون والمشركون المتأخرون كلهم يشركون في العبادة، فيعبدون مع الله الملائكة والأولياء والصالحين، فالنصارى عبدوا المسيح وأمه؛ كما قال تعالى له: ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ﴾ [المائدة: ١١٦]، وهؤلاء المشركون عندهم إيمان وشرك، ولكن إيمانهم مع هذا الشرك لا ينفعهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُون (١٠٦)﴾ [يوسف]، وهذا تناقض؛ إذ كيف يقرون بأن الله خالق السماوات والأرض، وخالقهم ورازقهم، ومدبر الأمر، وهو
(١) رواه البخاري (٤٨٥٩) عن ابن عباس ﵄، في قوله: ﴿اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩)﴾ [النجم]: «كان اللات رجلًا صالحًا يلت سويق الحاج».