إني أنظر إلى حياتنا هذه التي نعيشها، فأرانا فيها كموكب من السيارات تمضي مجنونة مسرعة متسابقة، هَمُّ كل واحدة أن تسبق الأخرى وتخلفها وراءها. ولكن لو سألت سُوّاقها إلى أين يسيرون ولماذا يسرعون لما وجدت عندهم جواباً.
سباق إلى المال، سباق إلى اللذات، سباق إلى الوظائف، سباق في كل طريق من طرق الحياة ... ثم ينتهي العمر، فنترك كل ما استبقنا إليه ونمضي. فلنقف لحظات في مطلع كل عام لنسائل أنفسنا: ما الذي نربحه من هذا السباق؟ أوَليس الربح الحق في جهة أخرى غير الجهة التي يتجه الناس كلهم إليها ويحسبون أن الربح المقصود فيها؟
إن هذا اليوم نذير لنا بأن السنة المقبلة ستمضي كما مضت السنوات السابقة، وأن كل واحدة منها تحمل معها جزءاً من أعمارنا، حتى تنفد أعمارنا. فلنتدارك ما بقي، ولنكن يوماً واحداً في السنة من المتناصحين ومن المتواصين بالحق والمتواصين بالصبر.
إنكم تقرؤون في المجلات كلاماً كثيراً، كلاماً جليلاً يزيد ثقافة عقولكم، وكلاماً جميلاً يُدخل البهجة على قلوبكم. وكل هذا خير، ولكن خيراً منه أن تسمعوا كلمة تذكركم أخراكم وتنفعكم يوم العرض على ربكم. وما أصلح -والله- لأن أقول أنا هذه الكلمة، وأنا إلى أن أُوعَظ فأتّعظ أحوج مني إلى أن أعظ، ولكن «على مدير الكاس أن ينهى الجُلاّس».