للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه لأولادك من بعدك، لهم الله فلا تحزن. فلم يقبضها حتى عدّها فرآها كثيرة، فرَدَّ إليّ بعضها وقبل بعضاً، فلم أُلحِفْ عليه وأخذتها منه، وأخذت معها ورقة صفراء أعطانيها لم أدرِ ما هي، ولكنني لم أشأ كسر قلبه بردّها، ووضعت ذلك كله في كمّي وعمدت إلى الكوة لأدخل منها فوجدتها عالية، فوثبت فأصبت بقدمي وجه رجل ممن كان هناك، فما باليته وقلت: سأعتذر إليه. فقد رأيت أهل المدن يؤذون إيذاء العدو ثم يعتذرون اعتذار الصديق! وأدخلت رأسي في الكوة، فصاح السجين صياحاً أرعبني والله، شبّهته بصراخ كلب ديس على ذنبه، وأجلب الناس فطفقوا يشدون برجلي وثيابي، وأنا أرفس بقدمي رفساً لا أبالي موقعه من أجساد الناس، والسجين اللئيم الذي أحسنت إليه يدفع برأسي ويشد بشعري، ولم يكن عضو من أعضائي إلا وهو مشغول، فيداي أتمسك بهما، ورجلاي أذود بهما عن نفسي، ولم أجد ما أدفع به أذاه عني إلا أن بصقت في وجهه، فأقبل يضربني فعضضت يده، ثم دنوت من وجهه فعضضت أنفه، وكان أنفاً ذليلاً لا يزال خبث طعمه على لساني.

ثم أخرجوني قسراً وجبراً، وجاء مماليك السلطان فحجزوا بيني وبينهم، وأخذوا الورقة الصفراء، وأدخلوني من باب كان هناك إلى بهو واسع صَحَّ معه ما كنت قدرت من أن سنمة هذا سلطان البلد. ورأيت الناس قد صفّوا كراسيّهم كصف الصلاة، وإذا بعضهم يولي بعضاً دبره، فقلت: ما ألأمَ أهلَ المدن! والله ما كنت مولياً مسلماً ظهري إلا في الصلاة، وعمدت إلى الكرسي لأديره، فإذا هو مثبت بمسامير من حديد، فتركته واستدرت أنا

<<  <   >  >>