للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمير البلد، هذا الذي يدعونه رئيس الجماهير. وألهاني ما رأيت وشغلني ففقدت صاحبي وسط الزحمة، ولكني لم أُبال، وأقبلت أصعد الدرج، فمنعني أغلمة بثياب ضيقة حُمر ما رأيت مثلها، وعلى رؤوسهم كُمَمٌ لها رواق من فوق عيونهم كالذي يوضع على عينَي بغل العجلة، وأفخاذهم مكشوفة فعلَ أهل الفسوق والتهتك. فهممت أن آخذ ثلاثة منهم فأكركبهم على الدّرَج فأزحلق مِعَدَهم عن مواضعها، ثم قلت: ترفَّقْ يا صلبي لا تجنّ، فما أنت في البادية، أنت في قصر الأمير وهؤلاء مماليكه، وإنك إن مسستهم لم تجد أمامك إلا ضرب العنق. ووضعت يدي على عنقي أتحسسها فعلمت أني لا أزال أحتاج إليها.

ولو أنني في السوق أبتاع مثلها ... -وجَدِّكَ- ما باليت أن أتقدّما

وسألت الغلمان الكاشفي الأفخاذ ماذا يريدون مني أن أصنع، فأشاروا إلى كوّة ازدحم عليها الناس، فعلمت أن الدخول من هناك، وأقبلت أزاحم وأدافع وهم يردّونني حتى بلغت الكوّة، فإذا هي غرفة ضيقة كأنها القفص، وإذا فيها رجل محبوس والناس يتصدقون عليه، فقلت في نفسي: هذا رجل ضرب مماليكَ الأمير فحبسه هنا لتُضرَب عنقه في غداة الغد، وحمدت الله على السلامة، وتوجهت بوجهي إلى رجل توسمته أسأله: متى تضرب عنق السجين؟

فنظر إليّ ولم يُجِبْ، ثم ولاّني قفاه وانصرف، فعلمت أن الأمير يمنع الناس من الكلام في هذا، ولولا ذلك لأجابني. ودنوت من كوّة السجين فأعطيته قروشاً كانت معي وقلت له:

<<  <   >  >>