للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهل كان على هذا الثغر المخيف شفاه لُعْس (١)، تأخذ دنيا البخيل بضمة على شفتيه، ويبذل حياتَه الجبانُ في قبلة منها؟ وهل كان على هذا القفص العظمي صدر ينسى امرؤ أسند إليه رأسَه الدنيا وما فيها؟ هل كانت هذه العظام المستطيلة المرعبة سواعد بضة طالما أثارت مِن هوىً وأذكت من خيال؟ أكنت -أيها الإنسان- امرأة فاتنة جميلة؟

وهذا الإنسان الآخر: هل كان عشيقك أيتها الفتاة؟ اعترفي فلا بأس عليك اليوم. هل كان يهيم بك حباً ويحيي الليالي يحوم حول منزلك، أو يرقب شرفتك، فإذا رأى إشارة منك أو أبصر على الشرفة ظلك أو لمح طرف ثوبك الأبيض أو الأصفر أو ... أو الأرجواني، انصرف وهو أسعد الناس حالاً، وراح يحبّر فيك «المقالات» (٢)، وطفق يرى صورتك التي نسجها من خيوط حبه لا صورتَك التي هي لك: طفق يراها في السماء التي يرنو إليها ويعدّ نجومها، وفي صفحة الكتاب الذي يفتحه وينظر فيه، وبين أغصان الأشجار التي تمتد إلى شرفته، وحيثما تلفّتَ أو نظر "تلوح له ليلى بكل سبيل"؟

* * *


(١) تختلف مقاييس الجمال باختلاف الأزمان، فقد أحب العرب -مثلاً- الأسنان المفلَّجة (التي تفصل بينها فراغات)، فكانت المرأة تفلّج أسنانها تزيّناً حتى تصير فَلْجاء! ومن هذا الباب الشفة اللَعْساء (الجمع لُعْس)، وهي الشفة التي اسوَدَّ باطنها! (مجاهد).
(٢) إشارة إلى مقالات «ذات الثوب الأرجواني» التي كان ينشرها المازني رحمه الله في تلك الأيام.

<<  <   >  >>