هل كنت -أيها الإنسان- رجلاً عفيفاً مستقيماً، أم كنت لصاً خبيثاً؟ اعترف؛ إنه لن يضرك اليوم اعتراف. هل كنت لصَّ أعراض تلبس ثوب التاجر أو ترتدي حلّة الموظف أو تتيه ببُرْد الغنيّ؟ كم من الأعراض سطوت عليه باسم الوظيفة أو بصلة الصداقة، أو ولجت إليه من باب السفور والاختلاط؟
أم كنت لصاً رسمياً لا سبيل للقانون عليه، يسرق من الناس ويسكتون لأنهم يريدون أن تمشي أعمالهم، ويسرق من الخزينة بأسناد مصدَّقة؟
أم كنت لص أدب، تسرق فكرة الفيلسوف وصورة الشاعر وموضوع الكاتب فتُلبسها ثوباً من أثوابك الخسيسة الممزقة، ثم تخرج بها على الناس على أنها بنت خيالك ووليدة عقلك؟
أم كنت مظلوماً، لم تكن لصاً ولم تحترف السرقة، ولكن رأيت صِبْية مشرفين على الموت من الجوع وأسرة كادت تودي من أجل رغيف، ورأيت حقك في بيت مال الأمة قد سرقه السادة الأكابر، فغطيت وجهك حياء وأخذت رغيفاً ليس لك، فثار بك المجتمع وقامت عليك الصحف، وتعلق بك القانون حتى استاقك إلى السجن، فمُتَّ فيه مفجوعاً بشرفك وأولادك؟
اقترب أيها المجرم، ادْنُ أيها الشهيد، تعال انتقم؛ هذا هو القاضي الذي حكم عليك لأنك سرقت رغيفاً تعيّش به أسرة، ثم خرج يخترق الصفوف، صفوف الشعب الذي اجتمع ليشهد انتصار الحق وظفر العدالة، فلما رآه حيّاه وهتف له حتى بُحَّ صوته وصفّق حتى احمرّت كفاه، حتى إذا ابتعد ولم يعد يراه أحدٌ