للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونخوض فيما لا نعلم، فكان في حياتنا الشيء وضدُّه، اجتمعت فيها المتناقضات وائتلفت المختلفات، كما يكون في عصور الانتقال كلها.

* * *

وصعدت الترامَ مرة عجوزٌ متصابية متبرجة، كأنّ وجهها خريطة حربية من كثرة الخطوط المرسومة عليه والألوان؛ ففوق عينيها خطان أسودان مقوَّسان، وعلى خدَّيها بقعتان حمراوان، وشفتاها كأنهما قد غُمستا بالماء المغلي فاحترقتا ثم نزفتا، فاجتمع عليهما الدم متجمداً فظيعاً، فلم تعودا شفتين ولكن صارتا -والعياذ بالله- آفتين مشوَّهتين، وأظافر يديها كأظافر ذئبة افترست حَمَلاً، فهي طويلة محمرَّة مخيفة! فوقفت في غرفة الرجال وهي مملوءة بالناس، وإلى جنبها غرفة النساء فارغةً مفتوحاً بابها. فنظر الناس إليها متعجبين، ثم ردّوا أبصارهم عنها منكرين، فقالت: ما فيكم واحد مؤدب يقوم للست؟ يا عيب الشوم!

فقال أحد الحاضرين: تفضلي، هذه غرفة النساء خالية.

فنفضت يدها في وجوهنا وقالت: أنتم «متأخرين كثير» ... «متوحشين»؛ ما تعلمتم التمدّن!

ورأيت مرة شابين دخلا عليّ غرفة الترام، يلبسان أردية بلا أردان وسراويل تشفُّ عن السيقان، فألقى أحدهما بنفسه على المعقد فاضطجع اضطجاع العروس على سريرها، ورفع الثاني رجلاً فوق رجل فعل الراقصة على مسرحها، ثم تحدثا حديثاً مخلوطاً فيه العامية بالفرنسية بالإنكليزية بالضحكات الخليعة

<<  <   >  >>