للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإشارات المخنثة. تحدثا في الأدب، فكان من رأيهما أن الزيات والعقاد والمازني تحتاج كتاباتهم إلى ترجمان لصعوبتها، وأنها لا تُفهم بلا قاموس! ثم ذكرا الامتحان والدروس مع الحب والغرام وأماكن اللهو والتسلية، حتى إني لم أعد أطيق الصبر، فنزلت وركبت تراماً آخر!

هذان مثالان لطبقة من نسائنا ورجالنا يُبديها الترام إن أخفتها البيوت، طبقة هي في الأمة كالديناميت في البناء والسم في الجسم والقذى في العين. وهي -وإن تكن نادرة فينا ولم تكن تخلو أمةٌ من مثلها- لا ينبغي للمصلحين منا أن يغفلوا عنها ويهملوا إصلاحها، لأننا أمة تستعيد اليوم حريتها وتبدأ جهادها، وتسعى لتصل ما انقطع من أمجادها، ولا يُنال المجد إلا بشباب أولي خلق وعلم، ونساء أُولات عقل وعفاف.

* * *

ولكنّ في الترام -في مقابل هذه الصورة التي تؤلم وتسوء- صوراً تسرُّ وتفرح. لقيت فيه أمس فلاحاً من فلاحي مصر بجلبابه وطاقيته وزيِّه، وكان معي صديق يتكلم في الجلاء عن مصر وفي جامعة الدول العربية، فاندفع والله هذا الفلاح في حديث عن السياسة والنزاع بين الدول الكبرى، وموقف هذا الشرق الأدنى وما يُتوقَّع له، وفصَّل القول في حالة مصر والشام والعراق والمغرب والحجاز واليمن، فكانت محاضرة مرتجَلة أكثر من نصف ساعة، مشى فيها الترام من الفسطاط إلى شبرا، لو أن سياسياً دعا الناس إلى أفخم ناد من النوادي فألقى عليهم مثلها لخرجوا معجبين.

<<  <   >  >>