ولقيت في الترام فلاحاً آخر، مرَّ به جابي الترام فناداه: يا أفندي. فقال له:"ما فيش أفندية دي الوقت، الفلاحين هم أسياد البلد"! يقظة عجيبة وكلام عظيم، وسيكون أعظمَ يوم يصير الفلاحون أسيادَ البلد حقاً، يوم لا يبقى في مصر شركة أجنبية ولا مصرف أجنبي، يوم لا يبقى في مصر شحّاد مصري، يوم يكون المصريون أعلم من الأجانب وأنظف منهم وأحرص على الصحة وأفهم للحياة وأسبق إلى المغامرة، وسيجيء هذا اليوم قريباً بحول الله.
* * *
أيها السادة والسيدات: إن الترام يكشف أخلاق الناس وطبائع البلدان، وهو مدرسة يرى المرء فيها القبيحَ من جاره فيتركه، والحسنَ فيتعلمه، ويستمتع الملاحِظُ المدقق بعد هذا كله بفصول «الفِلْم» البشري المعروض عليه.
هذا فصل من الرواية: رفيقان يدعان الأمكنة الخالية ويجلسان حولك، هذا عن يمينك وهذا عن شمالك، ويتحدثان في أمورهما الخاصة بهما من فوق رأسك، لا يحفلان بك ولا يباليانك، كأنما أنت كرسي أو متكَأ، أو كأن أذنيك شبّاك يتكلمان منه!
وهذا فصل آخر: رجل طويل عريض لا يطيب له أكل بذر البطيخ إلا في الترام، فلا يزال يقضمه بأسنانه ويقذف قشره بلسانه، فإن لم يصب به الناس آذاهم بقبح منظره وسوء أدبه!