كم كان المنجل العَضْب (١) يخضع لسواعدهم، وكم كانت الأرض الصَّلدة تشقق تحت معاولهم، والغابة القاسية كم لانت لضرباتهم! كان عملهم مفيداً وحياتهم مجدية، فلا يسخر الطموح من مسراتهم الهيِّنة وحياتهم المجهولة، ولا تستمع العظمة هازئةً حديث الفقر وقصته الساذجة القصيرة.
فإنّ فخرَ القوّاد وعظمةَ الأقوياء، وكل ما تمنحه الثروة ويأتي به الجمال، كل ذلك ينتظر الساعة التي لا مفر منها والغاية التي لا مَحيد عنها، لا فرق في ذلك بين عظيم وحقير، لأن طريق المجد لا ينتهي إلا إلى القبر.
* * *
فيا أيها المغتَرّون: لا تلوموا هؤلاء المساكين أنْ خلت قبورهم من نُصُبُ المجد وتماثيل الجلال، على حين تتصاعد ألحان الثناء وأغاني المديح من بين جدران المدافن الفخمة تحت أقبيتها المزخرفة.
لأن البخور المحروق والتمثال المنحوت لا يَرُدّ الروح على الميت الراقد، وهتاف الناس وعجيج الجماهير لا ينفخ الحياة في التراب الجامد، وقصائد المديح وآيات الثناء لا تبلغ سمع الموت البارد!