أو الشرطي حين يلقى البائع السيّار من أهل بلده، وترجمان المستشار حين كان يقابل واحداً من بني قومه (١).
فلما رأى ذلك منها بصق ومشى، يلعن الحظ الذي جعل «الحمير» سادة وأقام «الناسَ» لهم خدماً وخولاً! وبكى على خلائق «الجنس الحماري»: لقد ضاعت تلك الخلائق وهبطنا حتى صرنا مثل بني آدم، لا نعرف أقدار أنفسنا ولا أقدار إخواننا!
* * *
وجعلت أعاود الحديقة وأكرر زيارتها، فأرى هذه الحمير محشورة في الزريبة، تأكل وتشرب وتتعجب: لماذا لا يقف عليها أحد؟! إنها لا تلعب لعب القردة ولا تغنّي غناء البلابل، ولا تملك هيبة السبع ولا ضخامة الفيل، ولكنّ لها فنَّها وجمالها. وما الفرق بينها وبين غيرها؟ ألا يقرأ الناس لأدعياء الرمزية ولُصَقاء الأدب ولصوص البيان كما يقرؤون لأئمة البلاغة وملوك الكلام؟ ولكن هذه الفلسفة لم تقنع أحداً، فظل الناس معرضين عنها لا يحفلون بها. وماذا يبتغون منها؟ وهل قَلَّت الحمير حتى ما تُشاهد إلا بقرش صاغ؟ إن الحمار يبقى حماراً ولو وضعته في القصور وأركبته السيارات، وكسوته الحرير وأطعمته الفستق المقشَّر!
(١) ذلك أمر قد مضى وانقضى بانقضاء الاستعمار، يوم كان الفرنسيون في الشام، ولهم في كل وزارة مستشار هو الحاكم الحقيقي والوزيرُ حاكمٌ من ورق، وكان لكل مستشار ترجمان من أبناء البلد، إلا أن ولاءه للمستعمر وقلبه مع الاستعمار. وكذلك تجد في كل أمة مَن يبيع نفسه لأعداء الأمة بالسعر القليل! (مجاهد).