تاريخ الإنسانية كله: نَحِّ منه الأنبياء ومَن ساروا على هديهم وأصلحوا فساد إنسانيتهم بشرائعهم، ثم انظر ماذا بقي، وقل لي: أين الإنسان الذي تؤمن به؟ الإنسان الذي قتل أخاه وتركه في العراء حتى علّمه غرابٌ أسود كيف يواري سَوْأةَ أخيه؟ أم الإنسان الذي ارتقى حتى صار يقتل بالقنبلة الذرية الآلاف من النساء والولدان لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، ولم يذنبوا ذنباً ولا أعلنوا حرباً؟ أم الإنسان الذي استغل هذه الحرب، وهي مأتم الإنسانية، فأخذ اللقمة من فم المرأة التي سيق زوجها إلى القتال والولد الذي أُخذ أبوه إلى الحرب، حتى إذا ماتوا من الجوع لبس الحرير ودان بالفجور، ورقص على جثتهم في هذا المأتم الباكي؟ أم الإنسان الذي يخون عهده وينسى الخبز والملح على حين تفي الكلاب؟ أم الذي يجزع ويضيق صدره ويبيد صبره على حين تصبر الحمير؟ أم الذي يُشقي غيرَه ليُسعد نفسَه، على حين يتعاون النمل والنحل على ما فيه خير الجميع؟!
الإنسان الذي انفرد دون سائر الأحياء من ملائكة وحيوانات بالكفر بالله، لا يشاركه هذا الشرف إلا الشياطين، وهم كفار الجن، على حين يسبّح بحمد الله كل شيء؟ أهذا الذي تؤمن به؟ وأين دواعي الإيمان حتى أؤمن مثلك؟ دُلَّني عليها -يا أخي- فإني لا أراها. إني لأتلفّت حولي فلا أكاد أرى إلا آكلاً الدنيا باسم الدين، أو شارباً دمَ الوطن باسم الوطنية، أو سارقاً أموالَ الناس باسم التجارة، أو حافراً بئراً لأخيه وهو يبسم له بسمة الإخاء، أو متعالياً على الناس باسم الوظيفة وهو أجيرهم، أو أستاذاً يستغلّ منصب التعليم (وهو من عمل الأنبياء) ليعتدي على