وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري، أُصيب في أواخر عمره بتوهم أن في أمعائه ثعباناً، فراجع الأطباء وسأل الحكماء، فكانوا يدارون الضحك حياء منه، ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود ولكن لا تقطنها الثعابين، فلا يصدق. حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب بصير بالنفسيات، قد سمع بقصته، فسقاه مُسْهلاً وأدخله المُستراح (المرحاض) -وكان قد وضع له فيه ثعباناً ميتاً- فلما رآه أشرق وجهه ونشط جسمه وأحسّ بالعافية، ونزل يقفز قفزاً، وكان قد صعد متحاملاً على نفسه يلهث إعياء ويئن ويتوجع. ولم يمرض بعد ذلك أبداً.
ما شُفي الشيخ لأن ثعباناً كان في بطنه ونزل، بل لأن ثعباناً كان في رأسه وطار (١)، لأنه أيقظ قُوى نفسه التي كانت نائمة. وإن في النفس الإنسانية لَقُوىً إذا عرفتم كيف تفيدون منها صنعت لكم العجائب.
تنام هذه القوى فيوقظها الخوف أو الفرح. ألم يتفق لواحد منكم أن أصبح مريضاً، خامل الجسد واهي العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب، فرأى حية تُقبل عليه ولم يجد من يدفعها عنه، فوثب من الفراش وثباً كأنه لم يكن المريض الواهن الجسم؟ أو رجع إلى داره العصر وهو ساغب لاغب قد هَدَّه الجوع والتعب، لا يبتغي إلا كرسياً يطرح نفسه عليه، فوجد برقية من حبيب له أنه قادم الساعة من سفره أو كتاباً مستعجَلاً من الوزير
(١) انظر مقالة «مرضى الوهم» في كتاب «فصول اجتماعية»، وفيها تفصيل لهذا الإجمال وفيها حكايات مشابهة (مجاهد).