يدعوه إليه ليرقي درجته، فأحسّ الخفة والشبع، وعدا عدواً إلى المحطة أو إلى مقر الوزير؟
هذه القوى هي منبع السعادة، تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقياً عذباً، فتتركونه وتستقون من الغدران الآسنة والسواقي العَكِرة.
* * *
يا أيها القراء: إنكم أغنياء ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها زهداً فيها واحتقاراً لها.
يُصاب أحدكم بصداع أو مغص أو بوجع الضرس فيرى الدنيا سوداء مظلمة، فلماذا لم يَرَها -لمّا كان صحيحاً- بيضاء مُشرقة؟ ويُحمى عن الطعام ويُمنَع منه فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم ويحسد من يأكلها، فلماذا لم يعرف لها لذّتها قبل المرض؟
لماذا لا تعرفون النعم إلا عند فقدها؟ لماذا يبكي الشيخ على شبابه ولا يضحك الشاب لصباه؟ لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنا، ولا نبصرها إلا غارقة في ظلام الماضي أو متَّشِحة بضباب المستقبل؟ كلٌّ يبكي ماضيه ويَحِنُّ إليه، فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضياً؟
أيها السادة والسيدات: إنّا نحسب الغنى بالمال وحده، وما المال وحده؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤتَى بأطايب الطعام فلا يستطيع أن يأكل منها شيئاً، لمّا نظر من شُبّاكه