للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأديبات والمتعلمات ومدرّسات المدرسة وطالبات الجامعة تعيد أخواتكن الضالاّت إلى الجادّة، خوِّفْنَهنّ الله، فإن كُنّ لا يخَفْنَه فحذِّرْنَهنّ المرض، فإن كنّ لا يَحْذَرْنَه فخاطبْنَهنّ بلسان الواقع، قلنَ لهنّ: إنكن صبايا جميلات، فلذلك يُقبل الشباب عليكنّ ويحومون حولكن، ولكن هل يدوم عليكنّ الصبا والجمال؟ وهل دام في الدنيا شيء حتى يدوم على الصبيّة صباها وعلى الجميلة جمالُها؟ فكيف بكنّ إذا صرتن عجائز مَحنيّات الظهور مجعَّدات الوجوه؟ من يهتم يومئذ بكنّ ومن يسأل عنكنّ؟ أتعرفنَ من يهتم بالعجوز ويكرمها ويوقرها؟ أولادها وبناتها وحَفَدتها وحفيداتها. هنالك تكون العجوز ملكة في رعيتها ومتوجَّة على عرشها، على حين تكون «الأخرى» ... أنتنّ أعرف بما تكون عليه! (١)

فهل تساوي هذه اللذةُ تلك الآلامَ؟ وهل تُشترى بهذه البداية تلك النهاية؟

وأمثال هذا الكلام. لا تحتجن إلى من يدلكنّ عليه، ولا


(١) رأيت في بروكسل عند ملتقى طريقين -وقد فُتح الطريق للمارة- عجوزاً لا تحملها ساقاها، تضطرب من الكبر أعضاؤها، تريد أن تجتاز والسيارات من حولها تكاد تدعسها، ولا يمسك أحدٌ بيدها. فقلت لمَن كان معي من الشباب: ليذهب أحدكم فليساعدها. وكان معنا الصديق الأستاذ نديم ظبيان، وهو مقيم في بروكسل من أكثر من أربعين سنة، فقال لي: أتدري أن هذه العجوز كانت يوماً جميلةَ البلد وفتنة الناس، وكان الرجال يلقون بقلوبهم وما في جيوبهم على قدميها ليفوزوا بنظرة أو لمسة منها، فلما ذهب شبابها وزوى جمالها لم تعد تجد من يمسك بيدها!

<<  <   >  >>